سيد بهي أحمد يكتب: فلَسْطينُ كُلّها حَرَم

اللوحات للفنان الفلسطينى: سليمان منصور
اللوحات للفنان الفلسطينى: سليمان منصور

قُل لِمَن اَنْهَزَم
وأَغْوَاهُ السَّلامُ
فلَسْطينُ كُلُّها حَرَم 
وغَزَّةُ هى المَقامُ
مَقامُ اللَّائِذِ بالأَحْلامِ
فأَيْنَما شِئْتَ فَصَلِّى
وحِينَما خَرَجْتَ فَوَلِّى
شَطْرَ نافِذَةٍ وَحيدَةٍ
تَعُضُّ جَفْنِى
وتُطِلُّ على حَدائِقِ الآلامِ 
فإذا اَنْتَوَيْتَ
فاخْلَع نَعْلَيْكَ 
ولا فُسوقَ ولا جِدالَ 
ولا قَصائَدَ الآثامِ 
واَسْتُرْ عَوْرَتَكَ بالسُّكوتِ 
فهِىَ لا تَزْرَعُ أَشْجارَ التُّوتِ
وقَد زارَها المَوْتُ جَهْرًا 
فَبَنَتَ لهُ ظِلًّا 
وصارَتْ آبارًا مِن دِماءِ 
تَعُبُّ من المَوْتِ بِسَخاءِ
فأَىُّ صَدْرٍ يَكْفِى 
كُلَّ هذهِ السِّهامِ
لاِمْرَأَةٍ ظَلَّتْ تَأْكُلُ القَديدَ 
من لَحْمِ قَلْبِى
وَأَقودُها نَحْو صَدْرِى
فتَسْهَرُ كَى تُرَتِّقَ مَعاطِفَنا البَالِيَةَ
وأَشْلاءَ ضَمائِرِنا الغافِيَةِ
ولا تَتَعَطَّرُ بِعُطورِ البَرابِرَةِ الحَرامِ 
الَّذين يَتَلَذَّذونَ 
بِطَعْمِ الطَّلَقاتِ الغادِرَةِ
فى الظَّلامِ
رُبَّما أَغْواهُمُ كَرَمُ الفَريسَةِ النَّبيلَةِ
وَأَغْوَتُها إنْسانِيَّةٌ مُتَوَهَمَةٌ 
فى قُلوبِ اللِّئامِ 
وكِتابُهمُ المُزَيَّفُ عُنْصُرِىٌّ 
يُفَرِّقُ بلا سَببٍ
بين الأَنامِ 
هذه اللَّعْنَةُ التى حَبَسَتْ 
بِداخِلِها مَلِكَةً
مَرَّ فيها النَّهارُ ذاتَ حَلْكَة
بالَّذينَ أقْسَموا
سَنَطْرُدُهُم عَن إناءِ الزُّهورِ
بِصُمودِ التِّينِ والزَّيْتونِ
حتَّى هَتَفَ جُنودُ بَنِى صَهْيون
اللهُ وَجِنِين 
اللهُ وَرَبُّ فِلَسْطين
فلا شَىء يَنْبُتُ هُنا بِدونِ جُذورِ
ولا عَزاءَ للْبَنَفْسِجِ الحَزينِ 
زَهْرِ المُحْبَطينَ 
الكافِرينَ بالأَمَلِ
كأَجْراسٍ بلا صَوْتٍ
ومُؤَذِّنٍ أخْرَسٍ
يَرْقُبُ الفَجْرَ الذى لا يَصِل
ورَوْحُ الشَّهيدِ فى تُرابِ المَوْتِ 
أنْضَجَتْ كُلَّ الثِّمارِ
فهل المَلائِكَةُ تنْتَحِرُ
بِنَزيفِ الأَحْجارِ؟
فالمَوْتُ فيها عَمَلٌ شاقٌّ
يَلْزَمُهُ كَى تنْضَجَ
كُلُّ هذا الاحْتِراقِ 
حتَّى تَتَعَمَّدَ بالنَّارِ
وتَتَأَهَلَ لِلمَوْتِ النَّبيلِ 
الذى ليسَ لَهُ يَومُ عُطْلةٍ 
فى المَسارِ
أيَّتُها الصَّامِدَةُ فى حَرْبِكِ
اَرْتَدِى نَبيلَ ثَوبِكِ 
فالتَّاريخُ يُحِبُّكِ 
وأنْتِ حُرَّةٌ فى عَدَمِ التَّذْكارِ
وحُرَّةٌ فى إرْسالِ اللَّعَناتِ 
إلى السَّلامِ
وسَيَبْقَى الطَّريقُ أخْضَرُ 
وما تَبَقَّى فهو أيْسَرُ
وأَسْوأُ أنْواعِ الهَزيمَةِ هِىَ التى 
تحْدُثُ بِلا حَرْبٍ عَظيمَة
وقَد اَنْتهَتْ لَدَيْنا الآن 
كُلُّ ألْفاظِ المُواساةِ
فمَتَى تَذْهَبينَ إلى المِرْآةِ وأنْتِ 
تَبْتَسِمينَ لِلْأَيِّام.