• عندما جمعت شهادات من أبطال السويس الذين دحروا المحاولة الإسرائيلية لاحتلال المدينة التاريخية، الإستراتيجية، فوجئت..» • من أهم انجازات منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة الشهيد ياسر عرفات تأسيس مركز الابحاث الفلسطينية وقد زرته في عام ١٩٧٣ وكان مقره في بيوت الغربية ويديره وقتئذ الدكتور أنيس صايغ. وكان يعمل به عدد من الباحثين المصريين منهم محمود عزمي المتخصص في الشئون العسكرية، وكان قد نشر عددا من الدراسات القيمة في مجلة الطليعة التي كان يرأس تحريرها لطفي الخولي، لا أعرف مصير المركز الآن، خاصة بعد الخروج من بيروت إلي تونس، وما علمته أن القوات الاسرائيلية كانت معنية بتدميره ونهب محتوياته، هذا المركز من أهم منشآت منظمة التحرير، إذ إنه كان معنيا بالحفاظ علي الذاكرة الفلسطينية، وجزء رئيسي من الصراع العربي الاسرائيلي يدور حول الذاكرة، ذاكرة الارض والشجر والبحر والطعام وكل عناصر الحياة، كان المركز قلعة حقيقية للحفاظ علي تراث فلسطين القومي من أحداث وحكايات وأشعار وأمثال، كل هذا التراث أصبح مهددا بالاندثار بعد دخول طرف آخر علي الخط أخطر من اسرائيل، أعني حماس ومن والاها والذين لا يعنيهم تراث فلسطين في شيء، انما يعينهم تراث الأمة الديني، افقدوا القضية ما لم تفقده اسرائيل لها بتحويلها من قضية وطنية لها ارض وشعب إلي قضية دينية مجردة، كان بين انشطة مركز الابحاث قسم خاص للدراسات المتعلقة باسرائيل، وترجمة الاعمال المهمة التي تكشف وتوضح كيفية تفكير العدو، تلك من البديهيات، وقد تولي الاديب العظيم غسان كنفاني هذه المسئولية وأصدر أول كتاب من تأليفه عن »‬الأدب الصهيوني»‬ في الستينات، بعض المزايدين السذج يعتبرون ترجمة الاعمال الفكرية الاسرائيلية ومتابعة الحياة الثقافية في اسرائيل نوعا من التطبيع، ولي تجربة في أخبار الأدب عندما خصصت صفحات من أخبار الأدب لمتابعة ما يجري في الحياة الثقافية الاسرائيلية، شن البعض حملة علي أن أخبار الأدب تطبع رغم وضوح موقفها من هذه القضية التي أصبحت مجرد شعار بدون مضمون أو رؤية، في نفس الوقت تكريس عدم معرفة ما يجري في اسرائيل نوع من الجهل، كمن يواجه شخصا ويتم عصب عينيه حتي لا يري خصمه، مركز الابحاث الفلسطيني ترجم كتاب »‬التقصير» الواضح من عنوانه حول حرب اكتوبر، وعندما جمعت شهادات أبطال السويس لم أكن قرأته، وعندما أتيح لي ذلك عام ١٩٧٦ فوجئت بتوازي الاحداث، من يقرأ شهادة الاسبوع الماضي من وجهة نظر السويس ورجالها، سيجد الجانب الأخر المكمل في تلك الشهادة المترجمة من كتاب التقصير. شهادة إسرائيلية في الساعة ١٩.٠٠، سري مفعول وقف القتال، إلا أن المصريين تمكنوا قبل ذلك من إنزال قصف مدفعي ثقيل جدا علي رأس الجسر الاسرائيلي الذي أحدث التحول وقلب حظهم، كأنما أرادوا »‬وداعه». >>> روي عاموسي، قائد قوة حماية الجسر : »‬كان القصف المدفعي المصري الاخير مخيفا. وما كدت أدخل إلي مجنزرتي، حتي سمعنا الصفير وسقطت قذيفة بالقرب منها، واحتكت بالفولاذ، وانفجرت علي مسافة متر واحد منا، كان الانفجار، هائلا، ودخلت الشظايا إلي المحرك، واشتعلت سيارة الوقود وانفجرت سيارة الذخيرة، استمر سقوط البرد ربع ساعة، كنت واثقا انها نهايتنا، وسمعت تأوهات الجرحي حولنا، وأصواتا تستغيث من كل صوب : »‬مضمد، مضمد!» وفجأة ساد الهدوء، وشعرت أننا نجونا. ومن نجا كتبت له الحياة. وقد كلفنا قصف الوداع غاليا. ترتب علي هذه الضربة النارية المخيفة ١١ قتيلا و ٢٧ جريحا، شعرت أن هذه هي »‬نهاية الحرب». لقد تبدد الشعور الشخصي لقائد الجسر. ففي اليوم الثاني تجددت المعارك. فقد توقف الهجوم في المحور الشمالي عند مشارف الاسماعيلية، داخل بساتين المانجو المجاورة للكثبان المحيطة بمنازل المدينة، وانزوت قوة المظليين هناك تلعق جراحها بسبب نتائج القصف الذي تلقته قبل سريان مفعول وقف القتال. >>> وفي القطاع الجنوبي واصلت فرقتا بيرن وكالمان ماجنين المدرعتان مقاتلة القوات المصرية علي مشارف مدينة السويس، حيث كانت المعركة أحد أكثر المعارك الدامية ضراوة في القتال الذي دار غربي القناة. قال قائد فصيلة مظليين لجنوده، الذين احتشدوا معه داخل مصفحة : »‬وأخيرا نستطيع أن نري تحصيننا علي رصيف الميناء من الجانب المصري، كنت مرة قائد ذلك التحصين، وكنت أطل كل صباح علي مدينة السويس. والآن أشاهد الرصيف من داخل المدينة». تحفز المظليون الذين ارسلوا إلي داخل المدينة، علي المركبات : الباصات والسيارات المصفحة المصرية التي غنمت، وسيارات الجيب والدبابات وقد ساروا علي الطريق الجنوبي المؤدي إلي مدينة السويس. كان ذلك في صباح يوم الاربعاء ٢٤ تشرين الأول »‬أكتوبر». وبدت مدينة السويس. من خلال الضباب، مدينة هادئة ترفل بالخضرة. وكان يقطن المدينة ٢٧٤.٠٠٠ نسمة حتي نشوب معارك حرب الاستنزاف وكانت رابع أكبر المدن في مصر. وظهرت في أطراف المدنية علي ضفة خليج السويس الأزرق معامل التكرير ومصانع الاسمدة الكبيرة، وخلال حرب الاستنزاف هجر معظم السكان منازلهم، ولم يبق منهم سوي بضعة آلاف من العاملين في معامل التكرير ومصانع الاسمدة. كان المظليون يعتقدون أن سكان المدينة هربوا منها قبل فوات الأوان، وهرب معهم ايضا آلاف الجنود المصريين متجهين إلي قمم جبال جنيفة وعتاقة المطلة علي المدينة. >>> تقدمت القوة متجهة إلي المدينة، وقال أحد المظليين : »‬ساد هدوء ممتع فعلا، وفجأة مرّ صاروخ »‬ساجر» فوق رؤوسنا وانزلق فوق رتل المجنزرات علي ارتفاع منخفض، وقد قطعت زعانف الصاروخ اصبعين من اصابع احد الضباط. وراحت المجنزرات تبحث عن مخبأ من الصواريخ، وعندما أطلق صاروخ آخر رأيناه يمر فوق مجنزرة قائد الكتيبة ويقترب منا، كان هذا مشهدا مخيفا. فقد انفجر علي بعض بضعة أمتار أمامنا، تراجعنا إلي الوراء واستغللنا فترة الانتظار القصيرة لاعداد الفطور. وفي الوقت ذاته، توجهت الدبابات في خط مستقيم، نحو قواعد الصواريخ المنتشرة غربي المدينة. صدر أمر للمظليين بالتحرك مرة اخري، وبحسب ما بدا للعيان كان الطريق إلي المدينة خاليا، والمدينة نفسها مهجورة. وكانت المصفحات والباصات ملأي بالمظليين المتمرسين في القتال، ومن بينهم من حرر القدس القديمة، خلال حرب الايام الستة، ومن نال النياشين وحظي بشهرة فائقة بسبب دورهم في معارك حزيران »‬يونيو» ١٩٦٧. وكان من بين هذه القوة جنود خدموا فترة طويلة في الدوريات داخل قطاع غزة، والقي بالكثير منهم هناك واشتركوا في آخر معركة من الحرب، كـ »‬مسافرين متطفلين» ولم يتوقع أحد أن تنشب معركة هناك، داخل المدينة. >>> التحق نيف بلايخ بالقوة الفرعية، التي انضمت إلي وحدة المظليين. وعندما اندلعت الحرب، كان معاونا في مدرسة الضباط في دورة ضباط آليات. ونظرا إلي أنه كان سائقا في وحدة نقل قبل إلتحاقه بالدورة، ارسل إلي أحد مراكز النقل في سيناء. وخلال الاختراق إلي غربي القناة، كان سائقا في وحدة نقلت التموين والذخيرة عبر الجسور علي القناة. وتحدث نيف عن اليوم الذي سبق معركة السويس فقال : »‬بلغنا في ذلك الصباح أن قوة مظليين وصلت بطوافات، ونظرا إلي عدم وجود ما يكفي من السيارات لديهم، كانوا بحاجة إلي بعض الشاحنات المدنية التي كانت تحت تصرفنا فالتحقنا بها وقد حملت احدي الشاحنات بالمعدات، وصعد الجنود علي الباقي. ثم اتجهنا جنوبا تحركت القوة في طوابير ثلاثة، وسرنا نحن بالشاحنات في الوسط. كان هناك جيب لقوات العدو، فانسحبت دباباتنا إلي الوراء، وتركت علامات لقائد قوتنا للجلاء عن المنطقة. ولكنه امرني بمواصلة السير، فحاولت مناقشته، ولكن لا حياة لمن تنادي، وأخيرا سدت دبابة واحدة الطريق، فتراجعت نحو ٥٠٠ متر، وانتشرت الشاحنات وراء التل كتشكيل الدبابات، كان هناك موقع محصن، فتلقينا تعليمات بالاستيلاء عليه. وبهذه المناسبة، كان قائد الكتيبة خبيرا استراتيجيا فذا وتنبأ حقا بما سيحدث في المعركة. »‬طهرنا الهدف وجلسنا نراقب عمليات طائرات سلاح الجو. وفي تلك الاثناء وصلت إلينا المصفحات وانتقل القائد إلي وحدة منها. وبقيت أنا مع الجنود علي الشاحنات. وفي الوقت ذاته بلغني أن مدفعيتنا صوبت علي مرتين خطأ. لقد جعلت العناوين الحمراء لشركة المشروبات »‬كرستال» علي ظهر شاحنتي تبدو وكأنها سيارة عربية. فقد أصبحت شاحنة المشروبات الخفيفة، التي كنت أقودها، المحملة بالجنود المقاتلين، علامة بارزة في الميدان. فسارعت إلي تمويهها بالوحل. ولكن لا ينقصني سوي قذيفة اسرائيلية لتدمرني». >>> »‬تلقينا أمرا خلال الليل، بالالتحاق بقوة الدبابات التي اقتربت من مدينة السويس. وكان علينا مع قوة مشاة محمولة بالمصفحات، الدفاع عن الدبابات في حال قيام سلاح المشاة المصري بمحاولة الانقضاض عليها، وشرحوا لنا أنه علينا الاستيلاء علي مشارف المدينة لمحاصرة الجيش الثالث. سرنا طوال الليل. وكانت الشاحنات تغطس في الحفر كل لحظة فتدفعنا الدبابات إلي الامام. ثم وصلنا إلي بعد أربعة كيلومترات من مدينة السويس. وفي الصباح الباكر تحركنا نحو المدينة، فمررنا بقاعدة صواريخ وطهرناها، ثم صعدنا إلي الشاحنات وتابعنا التحرك نحو المدينة. فمررنا بقاعدة صواريخ وطهرناها، ثم صعدنا إلي الشاحنات وتابعنا التحرك نحو المدينة. وكانت تقف علي مشارف المدينة قوة من الدبابات ومصفحات سلاح المشاة. وألتفت قوة أخري حول المدينة ووصلت حتي الأدبية. ولكن المدينة نفسها لم تكن مطهرة». »‬دخلت قوة المظليين إلي المدينة. وتقدمت الدبابات، بعد تمهيد بالقصف المدفعي. وروي أحد المقاتلين : »‬بدت المدينة كمدينة أشباح، فمن الجهة اليمني مبان شاهقة متعددة الطبقات، ومن الجهة اليسري أرض مكشوفة. ولم يفصل بين الشارع والمنطقة الصحراوية سوي خط السكة الحديد علي الحاجز الترابي. كان الشارع الرئيسي الذي دخلنا فيه واسعا. وتوازيه حارة علي امتداده». وروي شلومر عراد المصور الصحفي الذي رافق قوة المظليين : »‬ترجلت من سيارة الجيب لاجمع بعض الرسائل وتذاكر القطار المبعثرة هناك. ولم يظهر أي كائن حي». >>> »‬روي المعاون نيف : »‬اتضح في الساعة العاشرة صباحا أن الدبابات دخلت المدينة، واستدعيت قوتنا للدخول وراءها، وسارت في المقدمة مصفحة، ثم شاحنات مكشوفة وعليها جنود، وفي المؤخرة مصفحة اخري. وسار وراءنا باصان محملان بالجنود، مررنا في الاحياء السكنية في مدخل المدينة، ودخلنا الجزء القديم منها، وكله مهدم ومصاب. سرنا في الحارة الرئيسية، علي الجانب الايمن، بحسب جميع قوانين السير. وبعد ان توغلنا كيلومترا ونصف الكليو بدأ الاحتفال : »‬اطلقوا علينا النار من جميع المنازل، ومن جميع الشبابيك والمنافذ، بالاسلحة الخفيفة، وقنابل البازوكا، والقنابل اليدوية». »‬وعندما دخلنا المدينة خرجت منها بسرعة مجنزرتان ودبابة كلها مصابة. ولدي بدء اطلاق النار قذفنا من الشاحنات والتصقنا بالمنازل علي الجانب الايمن، فرحت لخروجي من حجرة القيادة في الشاحنة، فالسائق هو هدف القناصين الاول دائما. لم تكن معي حتي خوذة. كان معي رشاش »‬عوزي». أخذنا نطهر بيتا تلو الاخر، وجرح منها البعض علي الفور. وأمكن انتشال أول جريحين بسيارة جيب، وانتشل آخرون بالمجنزرات والدبابات التي كانت تقفز اتونا من النيران نحو المنازل التي تطلق منها النار. وقد توقف هذا أيضا. واضطرت الآليات المدرعة إلي الانصراف. بقينا محجوزين داخل المدينة، جنود كثيرون. وصلنا حتي المفرق الاوسط في الشارع الرئيسي وقطعناه، ولكن تصدت لنا منازل من الجهة اليسري حيث وصلونا من هناك بصورة جيدة. »‬قسم القائد القوة إلي جزءين : واحد إلي يمين الطريق، والاخر إلي يساره، أما هو فقد جرح عندما خرج جنود مصريون من المنازل رافعي الايدي متظاهرين بالاستسلام، ولكنهم ألقوا قنابل يدوية عندما اقتربنا منهم. ورفض القائد اخلاءه. ولم نعرف في هذه المرحلة أن خلاصنا من هناك مستحيل. ولم نعرف من أين يطلقون النار. ففي الحقيقة كانوا يطلقون النار في كل مكان، ولم نستطع التحرك إلي أي اتجاه، ولا حتي إلي الوراء. دخلنا أحد المنازل فاتضح أنها أسوأ مصيدة. ألقيت علينا القنابل اليدوية من الطابق الثاني والثالث، ومن المنازل المجاورة علي الجانب الاخر من الشارع أطلق القناصون نيرانهم صوب الابواب - فكان خروجنا منها مستحيلا. وبقينا محجوزين في بعض المنازل حول المفرق، ولم يكن بيننا أي اتصال سوي باجهزة اللاسلكي. كان مجمل ما تقدمناه من المكان الذي توقفت فيه الشاحنات نحو ٤٠٠ متر. وسمعت القوة التي بقيت خارج المدينة بوضعنا، فأخذت تقدم لنا مساندة مدفعية. >>> اتضح أن الانطباعات بأن مدينة السويس خالية من الناس كانت خاطئة. فبالاضافة إلي السكان الذين بقوا فيها، فرت إلي المدينة فلول الجيش الثالث غرب القناة »‬١»، وألتحقت بها ثلاث كتائب كوماندوز مصرية، كانت ترابط في المدينة واختبأت بين المنازل، ولم تتوقف عن قنص الجنود الاسرائيليين المحاصرين، حتي ساعات الليل. وتمدد الجرحي علي الارصفة، ولم يكن بالامكان التقاطها. ومد جرح بعضهم مرات عديدة، حيث كان يصيبهم في كل مرة المزيد من العيارات النارية. وبعض مضي بضع ساعات، دخلت المدينة بعض المجنزرات والدبابات، التي حضرت لالتقاط الجرحي، ولديها أوامر باخلاء المصابين بالجروح الطفيفة والقتلي، وترك المصابين بجروح بالغة، في الاماكن المخفية مع الجنود الاصحاء، خوفا من الا يحتملو ا الاهتزازات في الطريق. >>> روي نيف : »‬لم يكن معنا مضمد في المنزل الذي أختبأنا فيه.. وكان القائد في منزل مجاور، فأمر أربعة من الجنود بالخروج لاختبار امكان النجاة. وفي تلك الاثناء وصلت مجنزراتنا إلي المفرق، فساعدنا علي التقاط الجرحي وتحميلهم عليها. ولكننا لم نستطع العودة إلي المنزل الذي خرجنا منه، فحاولنا العودة إلي حيث بقيت شاحناتنا لنتخلص من المصيدة في المدينة. وكان من الواضح لنا في هذه المرحلة انه لابد من الانسحاب». »‬كنا سبعة رفاق، اقتربنا من الشاحنات، التي حرقت منها اثنتان فقط، فأطلقوا علينا النار، فاختبأنا في صالون الحلاقة، في الطابق الاسفل من منزل مجاور، وبقينا محجوزين هناك ساعتين تقريبا. وخرج من المنطقة، التي اعتقدنا انه تم تطهيرها، جنود مصريون برشاشات »‬كلاشينكوف»، ولكنهم استطاعوا الفرار عندما أطلقت عليهم النار خطأ. وفجأة اقترب مني ثلاثة جنود مصريين، وكانوا علي مرمي الرصاص مني، فوجدت نفسي فجأة غير قادر علي اطلاق النار عليهم. وأخيرا، وبعد جهد جهيد، أطلقت النار فقتلت واحدا منهم، وأصيب آخر، وهرب الثالث. حاولت الخروج فأطلقوا علي النار مرة اخري. وانفجرت شاحنة محملة بالذخيرة، كانت واقفة بالقرب منا، ففرقتنا شدة الانفجار إلي صالون الحلاقة، سمعنا شخصا علي سقف المنزل، اكتشفناه بعد ان اطلق احد الجنود الرصاص، عن عصبية كما يبدو. خرجت زحفا. ثم شاهدت جنديا مصريا يحاول القاء قنبلة يدوية علينا، فأطلقت عليه النار والتنسف والقنبلة التي في يده. وفجأة نسف صالون الحلاقة بأسره. ولم أعرف سبب الانفجار - ربما كان ذلك بسبب شاحنة الذخيرة، أو بسبب صاروخ أو قذيفة مدفع. أطلقنا النار صوب الباب، لاعتقادنا أنه ألقيت قنبلة، فغمرنا الغبار جميعا، ولكننا لم نصب، وصرخت علي الجميع بالخروج». >>> أصبح نيف، بصورة طبيعية، قائد مجموعة الجنود الصغيرة التي حاولت الخلاص من الاتون، دون ان يعينه أحد. كان جميع جنود هذه المجموعة أكثر أقدمية وخبرة منه، وأصبحوا في وقت لاحق مدينين بالجميل للمعاون الشاب الذي أخرجنا من هناك». وتذكر نيف : »‬ بدأنا الانسحاب في الساعة السابعة أو الثامنة مساء، وركضنا في المقدمة وفقدت كل اتصال مع جنود سائر القوات، الذين بقوا كما بدوا في المدينة حتي منتصف الليل. وأطلقنا النار داخل الازقة الصغيرة، والقينا قنابل يدوية علي كل ما وقعت عليه عيوننا. وصلنا حتي آخر مصفحة لنا، وكانوا يطلقون علينا النار، طوال الوقت، بصورة مخيفة. ولكننا قفزنا إلي داخل المصفحة الواحد تلو الاخر، ووقفنا فيها وأطلقنا النار في جميع الاتجاهات. واستطعنا تشغيل محرك المصفحة، وخرجنا من المدينة بسرعة. كانت دباباتنا علي مدخل المدينة وتطلق النار إلي داخلها. فأخذنا نشعل الاضواء ونطفئها لكي لا يطلقوا النار علينا. وصلنا إلي محطة تجميع الجرحي، فاتضح هناك اننا الوحيدون الذين استطاعوا الخروج، وظل الباقون محجوزين. بقينا نحن السبعة معاً، ولم نرد مفارقة بعضنا بعضا». بعد انتهاء الحرب حصل نيف علي إجازة وسافر إلي بلدته، وقبل سفره، حمله قائده رسالة أشاد فيها بعمله، »‬لكي يكون لديه ما يريه لوالديه»، علي حد قول نيف. وأضاف : »‬كان الجميع هناك مسرورين مني. وقالوا أن هذا جميل من شاب تل أبيبي لم يساعد الحظ مقاتلين آخرين، ظلوا محجوزين في مدينة السويس، بالمقدار نفسه. ونجح أحد سائقي الباصات في القفز إلي الرصيف. وتشغيل الباص والعودة به في اتجاه خلفي، دون وقوع أية اصابة، بينما بقي سائر الجنود محجوزين. وسارع بعضهم إلي الاختباء وراء حاجز السكة الحديد القريب. >>> تذكر شلومو عراد، المصور الصحفي : »‬أطلقوا علينا النار من كل نافذة، ولم يكن هناك منزل لم يطلقوا منه النار، وكان الجرحي ممددين علي الطريق يستغيثون، فانطلق المظليون نحوهم في المحاولة لانقاذهم من النيران، فأصيب بعضهم ايضا. وسمعت ايضاً صرخات استغاثة من داخل الباصات المصابة. والقي الجنود المصريون، الذين تحصنوا داخل المنازل، قنابل يدوية علينا دون أي جهد. وببساطة القوها من النوافذ. وتمدد الجرحي في يوسط الطريق، واخذوا يتلقون الرصاصة تلو الاخري. وكانت اجهزة اللاسلكي تولول دون انقطاع : »‬نطلب مساعدة، لم نعد نحتمل أكثر من ذلك....». وتلقت مصلحة يوسي، قائد القوة، اصابة بازوكا مباشرة وجرح القائد. وجرح الرجال الذين كانوا معه أيضا أو قتلوا. >>> للأسف لم تتسع المساحة لمجمل الشهادة التي حرصت علي ابرازها بنصها بدون أي تدخل والبقية الاسبوع القادم.