فكرة مصطفي أمين مع نص كلمة أحمد رجب وكاريكاتير مصطفي حسين كانت هي كل علاقتي بالصحافة في سنوات طفولتي. عشق غذاه لي هؤلاء العمالقة للصحافة ولأخبار اليوم التي إحتضنت بين جدرانها فنا راقيا وإبداعا وفكرا وسخرية مضحكة مبكية. وكانت تتملكني فكرة غريبة في الصغر أظنها حقيقة، فكنت اعتقد أن عيون الثلاثة ليست كعيون باقي البشر. فتلك العيون تقرأ الأفكار وترسم الواقع وتسطر من المأساة إبتسامة. فأي عيون تلك التي تقطر جمالا كلما بكت ؟ وأي عيون تلك التي تبصر بوضوح ما تحمله ظلمة النفوس؟. رحلت »الفكرة »‬ وبقيت عادتي الغريبة بقراءة الأخبار بدءا من صفحتها الثانية لأعرف النص كلمة ثم القفز إلي الصفحة الأخيرة كي أمتع نظري بابداع ريشة الفنان لأحمل هاتين البسمتين في يومي وأظل في لهفة وشوق انتظارا لفرحة الغد. من فترة راودني ذاك الحلم الغريب عندما كنت أسير في شارع الصحافة المتشح بالسواد ويقف المشاهير علي سلالم المبني القديم يبكون ويصرخون »‬مصطفي أمين مات »‬. فركضت أبحث بنظري يمينا ويسارا عن مصطفي أمين وانا أعرف أنه رحل منذ سنوات طويلة. هل كان حيا كل هذا الوقت وانا لا أعرف ؟ من حقي أن أراه ولو مرة واحدة حتي لو كانت أول وآخر نظرة.فاذا به واقفا امامي يبكي ويشير لنعش بجانبه يغطيه علم مصر. انتهي حلمي وأنا أظنه هلوسة رسمها خيالي من حزني علي بعض الأوضاع الخاطئة التي كانت في الأخبار. ولم أكن أعرف أنني سأراه واقعا أمامي وأنا اودع أحمد رجب الذي كان مستلقيا في بهو المبني القديم أمام صورة مصطفي أمين والكل يبكيه. فوداعا يا عشق طفولتي ويا عمالقتي الذين رحلت أجسادهم وبقيت أرواحهم تضئ الأخبار للأبد.