أفردنا في مقال سابق أهمية الدور الاقتصادي في إنشاء الدول القوية وكذا توفير إمكانية اقتناء جيش قوي مزود بأفضل الرجال وأحدث العتاد الحربي دفاعاً عن مقدرات الأمة من أخطار تحيق بها. ونحمد الله أن حبا مصر بجيش نظامي أثبت جدارته في وقت الأزمات, جيش عظيم يستطيع حمل السلاح كأفضل ما يكون قادر علي استيعاب التكنولوجيات الحديثة وتطويعها واستخدامها بل وتطويرها أيضاً فكان الركيزة الأساسية التي أعادت للدولة تماسكها قبل أن تعصف بها الفوضي العارمة وينقض عليها الطامعون من كل حدب وصوب. ولا نستطيع إلا أن نذكر بكل التقدير مؤسسة الشرطة المصرية التي أثبتت أنها علي مستوي المسئولية الوطنية ووقفت درعاً حامياً للشعب تتلقي رصاص الغدر بدلاً عنه فسقط منها الشهداء لتسجل أسماءهم في لوحات الشرف والخلود وليبقوا في قلوب المصريين وذاكرتهم علي مر التاريخ فقد أضاءوا بدمائهم الظلمة ليعيدوا للوطن هويته التي عرف بها علي مر الزمان. وللإلمام بمقدار الخطر الذي أحاق بمصر ما رأيناه رؤية العين في فترة قريبة عشناها جميعاً فما علينا إلا أن نتلفت حولنا شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً لنري دولاً فقدت في لحظات مقومات الدولة ووقعت في صراعات دامية أطرافها جماعات مسلحة استباحت الدماء والممتلكات والأعراض ووقعت أثيرة سطوة السلاح في أيد جاهلة لا تعرف الهدف من القتال وكيف توقف تلك الحرب الأهلية التي أوقعتها في آتون الشر لا تملك منه خلاصاً. فكم كان جيشنا عظيماً عندما أعاد التماسك للكتلة الصلبة لمصرنا الغالية فأعاد للشرطة كيانها في زمن قياسي ومكن المؤسسة القضائية من العودة لمنصة القضاء لتدير منظومة العدل لكي يعلو ولا يعلي عليه. ولا خلاف أن الدولة القوية باقتصادها ذي القدرة علي الإنفاق في الاستثمار بمختلف أوجه التنمية,جانب مهم من هذا الإنفاق يوجه لإنشاء جيش وطني قوي قواته تحمي الدولة من الأخطار الخارجية في زمن الحروب والمواجهات المسلحة,أما في زمن السلم فإنما تشكل الاحتياطي الاستراتيجي القابل للتدخل في أي وقت لمواجهة الأزمات من سيول وفيضانات وكوارث طارئة,فكم سمعنا عن حرائق في الغابات في دول أوروبية ما كان لها أن تنطفئ لولا أن تدخل سلاح المدرعات فقدر سرعة الرياح وبالتالي سرعة انتشار الحرائق في اتجاه معين وقام بمدرعاته بإزالة شريط من الأشجار في تلك الغابات منع النيران من الامتداد لما هو بعد هذا الشريط فأطفئت النار, وكذا إقامة المستشفيات الميدانية في مواقع الحوادث لتقدم الخدمات الطبية العاجلة في حوادث القطارات والانهيارات وتفشي الأمراض في بعض المناطق وكذا سمعنا عن خدمات للقوات المسلحة في تدبير مولدات الكهرباء الميدانية المتنقلة ونقلها لأماكن انقطاع التيار في حالة تداعي جانب من شبكات الكهرباء وذلك لحين إعادة شبكات الكهرباء للعمل. ولازلنا نذكر واقعة انسكاب البنزين في إحدي الترع إثر انقلاب سيارة نقل وقود مما هدد المنطقة كلها لولا تدخل أحد معسكرات الأمن المركزي الذي استخدم حلاً مصرياً فريداً لم نسمع عن مثله من قبل إذ استعمل جنود الأمن المركزي المراتب الأسفنجية التي ألقوها في الترعة وعملت علي امتصاص طبقة الوقود المنسكب والتي تعلو المياه فأزالوا خطراً محدقاً هدد المنطقة كلها. لا شك أن الجيش المصري يعتبر من أقدم الجيوش النظامية التي عرفها التاريخ منذ جيش الملك مينا الأول موحد القطرين والذي خاض حروباً سجلها التاريخ أمام غزاة وجماعات بربرية حاولت الاعتداء علي الوطن حاملة معها نذر الدمار والتخلف والبربرية فجيش مصر هو الذي هزم الهكسوس بعد أن ظنوا أن مصر دامت لهم إلا أن ظهور أحمس بجيش مدرب وعتاد حديث قضي علي التتار فلم تقم لهم قائمة بعد هذا. وتبقي معركة قادش شاهداً علي عظمة الجيش المصري القديم,كما أن جيش مصر هو الذي حرر بيت المقدس في مواجهة الحروب الصليبية بعد أن سمح لهم صلاح الدين أن ينسحبوا إلي بلادهم بعد أن جردهم من السلاح فكان درساً لم يسمح لهم بإعادة الكرة بعد ذلك. والأمر ليس في طي النسيان كيف قضي الجيش المصري علي التتار والمغول بعد أن غزوا العراق والشام وقتلوا حكامها وملوكها ونهبوا خزائنها ومثلوا بجيوشها وبذلك أنقذت مصر أوروبا من غزو التتار الذي كان هو المحطة التالية بعد غزو مصر فلم تقم للتتار قائمة بعد هزيمتهم من صلاح الدين ولم يظهر لهم أثر في المنطقة بعد ذلك. دامت مصر عزيزة أبية قوية بشعبها وجيشها وشرطتها.