الؤسف أنني كتبت مقالين في الأسبوعين الماضيين، الأول بعنوان (قانون الدوائر غير دستوري.. وصفقات حكومية مريبة)، والثاني بعنوان : (فضيحة «محلب جيت» وتزييف الانتخابات البرلمانية)، وتصور الكاتب دائما أن مقالا واحدا يحمل اتهامات مباشرة للحكومة أو المسئول سيحدث ضجة كبيرة، فمبالكم بمقالين، واليوم مقال ثالث وستستمر الحملة حتي تتضح الأمور، ولم نسمع صوتا حكوميا يعلق!! اللهم الاتصريحات لمستشار رئيس الوزراء لشئون الانتخابات، في ندوة علي ما يبدو أن الانتخابات ستجري في نوفمبر والبرلمان سيعقد قبل نهاية العام!! وأكاد أشم أن رائحة نظام مبارك ومنهم مستشارو رئيس الوزراء تحديداً ومساعدوه الذين يتقاضون أموالاً من الشعب لتزييف القوانين والانتخابات وارادته، واضحة وتكاد تزكم الأنوف من شدة هذه الرائحة العطنة والعفنة التي سبق ان عمقت اليأس، وأدت إلي الغضب الجماهيري ثم الثورة. فلماذا الاصرار علي استحضار رموز مبارك في المشهد وكأن مصر عقمت من القيادات الفكرية والرموز الأكاديمية، وأصبح هؤلاء قدراً لا فكاك منه؟!.

فالحكومة مصرة من خلال ما استجلبتهم من رموز مبارك الظاهرة وماخفي كان أعظم وأسوأ، علي هندسة البرلمان القادم ليكون علي حسب مزاجها ومصلحتها متجاهلة الواقع الجديد، وثورتين اندلعتا، وتصوير أن كل من يقول رأياً مخالفاً لهذه الطغمة المباركة لعنة الله عليها، هو من المعارضين يستوجب الأمر تجاهله ولا مانع من شن الحملات عليه، ومنعه من الظهور الاعلامي في تليفزيون الشعب، وتجاهل التحالفات والنشاطات التي يقومون بها في خدمة الوطن، وأصبح الأمر مسألة احتكارية لاعادة الزمن مرة أخري إلي سابق عهده أيام مبارك السوداء ورموز حكمه الفاسدة التي جلبت الخراب والدمار للشعب والوطن، ولا يستحون ومصرون علي الاستمرار!!.
ـ فما ذكرته في المقالين السابقين عن وجود صفقات مريبة بين الحكومة وبعض الأطراف السياسية المنتمية لنظام مبارك وأحزاب متأدينة متأسلمة (حزب النور) وغيره، لو أجري تحقيق عاجل لنسفت الحكومة نسفاً كاملاً!! فضلاً عن أن الحكومة تقوم بدور تخريبي في التحالفات الموجودة بالتواصل مع عدد من القيادات البارزة في هذه التحالفات والتهديد والوعيد باستخدام العصا والجزرة، لاجبار هذه القيادات علي ترك تحالفاتها لافراغها من الشخصيات القوية، ثم ضمها للقائمة الحكومية التي يصنعها رموز مبارك داخل مجلس الوزراء بأموال الشعب، لتقديمها للشعب في صورة قائمة واحدة وأخري احتياطية خادعة للتلاعب بالشعب وثورتيه، وذلك من خلف ظهر الرئيس!! ويمكن الاشارة إلي عدة نقاط في هذا الشأن:
١ ـ أن الاصرار علي اصدار القوانين المعيبة دستورياً، هو المدخل لعدم اجراء أية انتخابات، وان تمت يكون المجلس مهدداً بالحل في أي لحظة، ليصبح مجلسا مستأنساً!!
٢ ـ الاصرار علي اجراء الانتخابات علي مرحلتين، وكل مرحلة يومين، هو نظام سييء يوحي بالتدخل الحكومي ويبعث علي القلق، وغير موجود في العالم وهو من مخلفات نظام مبارك، ويستوجب اجراء الانتخابات في يوم واحد ومرحلة واحدة للانتهاء من اتمام الانتخابات دون تدخل، ولنمتثل بآخر انتخابات (تركيا) أو استفتاء اليونان وكما تمت الانتخابات الرئاسية تحت اشراف قضائي كامل، تجري الانتخابات البرلمانية في يوم واحد، ولا تغلق الصناديق ثم تفتح والتزوير قائم،مادام التدخل الحكومي بدأ، فلا ثقة إذن فيما تفعله الحكومة المباركية!! وكل المبررات التي تبديها الحكومة ولجنتها الانتخابية واهية ولا معني لها، وعن تجربة عشتها سنوات في الانتخابات والأمر جد خطير.
٣ ـ الاصرار الحكومي علي الدفع بالمال السياسي والتستر عليه وعلي الأحزاب وغيرها، ممن يتلقون الأموال من الداخل والخارج، ولم يكلف رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات من نفسه أو من الحكومة بمراجعة ميزانيات هذه الأحزاب وإعداد تقرير للرأي العام قبل اجراء الانتخابات، والصمت علي المال السياسي المتدفق من رجال أعمال مبارك وغيرهم، يكشف عن تزييف عمدي لارادة الشعب وانتخاباته البرلمانية.
٤ ـ الاصرار الحكومي علي التدخل السافر من خلال مستشارين ينتمون لنظام مبارك، هو لعب بالنار وفضيحة سياسية (محلب جيت) علي وزن (ووتر جيت) تصل إلي الجريمة السياسية، وهو تدخل في الانتخابات وتفتيت للتحالفات غير محمود آن له أن يتوقف.
وأخيراً لازال في الجعبة الكثير ليقال حتي تكون الانتخابات وسيلة لكشف ارادة الشعب الحقيقية. والثورة مستمرة حتي تكوين برلمان الشعب الحقيقي، ولا زال الحوار متصلاً.