..والحاصل أن هؤلاء المنافقين هم أكثر مَن يُسيء للإسلام و«يُشَيطِنُه» ويدفع بعض الشباب إلي الاغتراب عنه



لفت نظري في السيرة الذاتية لرئيس الاوروجواي السابق خوسيه موخيكا (80 عاماً) أنه «مُلحِد».. فوجئتُ بأن الرجل الذي سَلَمَ حُكم بلاده لرئيس جديد مؤخراً بعد أن ملأ أرضها عدلاً ونزاهة، لا يعتنق أياً من الأديان السماوية التي تحُضُ المؤمنين بها علي نشر القيم العُليا التي طبقها هو رغم إلحاده !!.. وهذه بالقطع ليست دعوة للإلحاد ولكنها تحريض علي إقتران القول بالفعل وأخذ الناس بظاهر أعمالهم دون تفتيش في ضمائرهم!!..
غادر موخيكا السلطة وهو أفقر رئيس في العالم إذ كان راتبه الشهري 12 ألفاً و500 دولار كان يتبرع بنحو 90 % منه للجمعيات الخيرية!!.. وعندما سُئِلَ عن ذلك أجاب «هذا المبلغ يجب أن يكفيني لأن العديد من أبناء شعبي يعيشون علي أقل من ذلك بكثير جداً»!!..
بَهَرَ موخيكا العالم بالتمرد علي البروتوكول ومواكب السيارات الفارهة التي تُكَلِف ميزانيات الدول ما لا تُطيق.. ورفض التخلي عن سيارته الصغيرة «البيتلز» عندما تلقي عرضاً مِن ثري عربي لشرائها بمليون دولا!!.. ورد علي العرض بأنه حتي لو باع سيارته سينفق ثمنها علي الفقراء!!..
فور توليه السلطة في 2010، رفض الإنتقال لقصر الرئاسة الفخم مُفضِلاً العيش في منزل ريفي متواضع بمزرعته.. وفي صقيع الشتاء كان يُكَرِسُ جهوده لتوفير المأوي للفقراء والمشردين حتي إنه خَصَصَ بعض أجنحة القصر الرئاسي لإيوائهم.. وشمِل برعايته لاجئين من كل مكان بينهم سوريون ضاقت بهم صدور وأرض العالمين العربي والإسلامي!!..
كان موخيكا يُدرِك أن إقامة العدل والمساواة تبدأ بمحاربة المحسوبية والفساد.. ونجح في رفع بلاده للمرتبة الثانية علي قائمة البلدان الأقل فساداً بأمريكا اللاتينية.. كما خفض معدل الفقر من 37% عندما تولي السلطة في 2010 إلي 11% فقط بنهاية ولايته!!..
كنتُ أُودُ ألا أشير إلي عقيدة موخيكا خاصةً وأن قيم العدل والمساواة لا يرتبط تطبيقها بدين أو عقيدة، ولكنني قصدتُ عامداً فضح زيف ونفاق ممالك وحكام وجماعات ودعاة ينتسبون للإسلام بالإسم ولا يتورعون عن ارتكاب كل المفاسد والموبقات التي نهي عنها!!.. يخونون الأوطان ويسفكون الدماء ويسترقون النساء ويصادرون الحريات بينما لا يكفون عن رَمي «الآخر» بالكفر والإلحاد.. مجازر بشعة ومظالم بلا حدود تقترفها نُظم وميليشيات ترفع راية الدين الأكثر دعوة للسلام والعدل والحرية ورعاية المستضعفين!!.. وما يثير السخرية حد البكاء أنهم يزعمون السعي لإحياء سيرة السلف الصالح وكأن تاريخ الإسلام لم يعرف نماذج رائعة للعدالة الإجتماعية يُزعِج مجرد التذكير بها أنظمة حاكمة تَدّْعِي تطبيق الشريعة ولم تتورع قبل سنوات عن منع عرض مسلسل رائع عن «عمر بن عبد العزيز» بطولة الراحل العظيم نور الشريف لأنه يُقدِم عدل الإسلام في صورة مناقضة تماماً لما تعيشه أغلب ديار المسلمين!!..
والحاصل أن هؤلاء المنافقين هم أكثر مَن يُسيء للإسلام و»يُشَيطِنُه» ويدفع بعض الشباب إلي الإغتراب عنه!!.. ويحضرني هنا قول المفكر الكبير «الشهيد» الدكتور جمال حمدان إن «المسلمين أصبحوا عبئاً علي الإسلام.. والإسلام السياسي تعبير عن مرض نفسي وعقلي» مؤكداً أن «الجماعات المتشددة وباء دوري يصيب العالم الإسلامي في فترات الضعف السياسي».. ويضيف أن «الفتنة الطائفية والتطرف الإسلامي في مصر نتيجة مباشرة للإعتراف بإسرائيل ونتيجة غير مباشرة لكل تداعيات هذا الإعتراف»!!..
كذلك يؤكد مفكرنا الراحل، وكأنه يُطِل علي واقعنا المأساوي الماثل، أن «الأحزاب الدينية عصابات طائفية».. ويشترط لتقدم مصر والعرب والمسلمين «شنق آخر عضو بالجماعات الإسلامية بأمعاء آخر إسرائيلي في فلسطين»!!..
وأرجو أن يقرأ حكامنا التاريخ جيداً حتي لا يتحالفوا مع «المنافقين» وحتي يؤمنوا بأن «العدل أساس المُلك»..