الفول المدمس أو »‬ اللوز» عند المصريين. هو »‬مسمار البطن» بالتعبير الريفي في المحروسة، والوجبة الرئيسية - وربما الوحيدة - لدي قطاع كبير من المصريين، عليه يقوم أودهم طيلة اليوم. قد لا يتناولون غيره علي مدي أسابيع، وتتفتق عبقريتهم عن تنويعات علي طرق طهيه للتحايل علي وطأة الفقر، وتعزيز إحساسهم بالتغيير الذي يوهمهم برفاهية زائفة.. وفي شهر رمضان تنضم إلي الشريحة الواسعة السابقة، شريحة أخري أكثر ترفاً لكنها تعتمد في وجبة سحورها علي الفول بشكل يومي من قبيل العادة الاجتماعية المرتبطة بالشهر الفضيل. في السابق كان خزين الفول والدماسة من المشتريات التقليدية لغالبية البيوت المصرية استعدادا لاستقبال شهر رمضان، وقد ترسخ في ثقافتنا التراثية أن البيت الذي يخلو من الفول والعيش يكون بيتا عارياً غير مستور. كذلك ترسخت في ذاكرتنا الشعبية عبارة »‬ إن خلص الفول أنا مش مسئول» التي كانت تزين عربات الفول الجائلة. اليوم يعلن رئيس لجنة الأسعار بالغرف التجارية عن ارتفاع أسعار الفول المدمس بنسبة تجاوزت العشرين بالمئة بالتزامن مع اقتراب شهر رمضان! وأن سعر كيلو الفول البلدي زاد جنيهين خلال أسبوع في حين أن كمية إنتاج الفول البلدي لا تزيد عن ثلاثين بالمئة من الاستهلاك. حتي بضع سنوات مضت كنا نتباهي فيما بيننا بأن بلدنا رغم الفقر الضارب فيه هو البلد الوحيد الذي يمكن للفقير أن يأكل وجبة كاملة مشبعة بجنيه. وكانت وحدة الجنيه كصدقة كافية لشراء »‬شقتي» الفول والطعمية التي يعد الفول هو مكونها الرئيسي. اليوم لم تعد وحدة الجنيه كافية لشراء »‬شقة» فول واحدة، ولا يستطيع الفقير الحصول علي الخبز بالسعر المدعم إلا لو كان يمتلك بطاقة ذكية، وبدونها يصبح أرخص سعر للرغيف هو ربع جنيه. ولم تعد وحدة الجنية كافية لشراء الفول »‬الحاف» بدون تحويجة وباتت أدني وحدة لشرائه هي الجنيه ونصف الجنيه.. كل هذا قد يمر، لكن حين يعز الفول علي المصريين خاصة مع دخول الشهر الكريم، يجب أن نعترف بوجود أزمة. صحيح أنه المتهم الأول بإصابة معظم المصريين بداء الملوك، وأنه المسئول الرئيسي عن »‬مشيتهم العرجاء» بسبب النقرس وخطوتهم المتثاقلة وربما بطء ردود أفعالهم الصباحية وانخفاض انتاجيتهم لأنه يطبق علي النفس طيلة ساعات السعي والانتاج النهارية، لكن ما البديل؟ مهما أنتجت الدراسات العلمية من إبداعات، فإنها لم تنجح في ابتكار غذاء شعبي منخفض التكلفة بخلاف الفول يمكن أن يملأ بطون المصريين. ولن أجرؤ علي إضافة باقي أنواع البقول التي كانت فيما مضي شقيقات غاليات للفول وبديلاً محتملاً للخضراوات باهظة الثمن ثم تمردت عليه وتبرأت منه وباتت تمرح وحدها علي موائد الأثرياء وفي كبريات الفنادق يتنافسون فيما بينهم علي المباهاة بوجودها لديهم. بدءا بالعدس ومروراً بالفاصوليا واللوبيا الجافة. المشكلة أننا نستورد أكثر من 80% من احتياجاتنا الغذائية من الخارج، بينما نستهلك أكثر من 70 ألف طن من الفول والعدس في رمضان. وحين يحذرنا رئيس لجنة الأسعار بالغرف التجارية - حسبما نقلته صحيفة الوطن عنه - من أن المخزون من الفول لا يكفي شهر رمضان نتيجة سحب كميات كبيرة منه مما أدي إلي ارتفاع سعره ينبغي أن نقلق، كما ينبغي أن تؤرقنا إشارته إلي وجود خلل في السياسة الحكومية علي عدة أصعدة سواء من الناحية التسعيرية وصعوبة فتح الاعتمادات بسبب حد الإيداع الدولاري الذي قرره البنك المركزي أو بسبب غياب آلية حكومية لتسويق المحاصيل الزراعية. إلي هنا وحتي تكف الحكومة عن إغراق السوق بالمحاصيل المستوردة بما يؤثر سلباً علي المنتجات الزراعية المحلية يكون من حقنا أن نسأل: إن خلص الفول من السوق من المسئول؟ إلا الفول.. تحذير يتعين علي الحكومة أن تضعه نصب عينيها وهي تتعامل مع بطون المصريين وتبحث عن سبل إشباعها.