الدقة والمصداقية والشفافية عناصر لاغني عنها لنجاح الرسالة الإعلامية.. لكن - للأسف - يساهم الإعلام أحيانا دون قصد في نقل رسالة غير حقيقية للرأي العام عن قضية أو مشروع ما متصورا بذلك أنه يخدم النظام بينما هو يتصرف كالدبة التي قتلت صاحبها! يستوي في ذلك الإعلام القومي أو الخاص.
أقول هذا تعليقا علي تناول الصحف والفضائيات لمشروع الألف مصنع بالقاهرة الجديدة والذي وصل إلي حد وصفه بأنه هدية السيسي للشعب في العيد.. من يقرأ أو يشاهد أو يستمع إليْ عناوين الأخبار المتعلقة بهذا الموضوع تصله الرسالة - للوهلة الأولي - وكأن الألف مصنع تمت إقامتها جميعا وجاهزة لبدء الإنتاج والافتتاح في العيد.. إذا توقف عن المتابعة عند هذا الحد تكون الرسالة وصلته - بلا شك - بطريقة خاطئة فيها الكثير من التهويل والتضخيم للحدث بما يتنافي مع القواعد المهنية الصحيحة.. لكنه إذا تعمق في تفاصيل الخبر سيكتشف أن الحدث المرتقب لا يتعدي استكمال البنية الأساسية للمنطقة الصناعية بالقاهرة الجديدة وشق طريق بطول نصف كيلو متر لربطها بطريق العين السخنة مباشرة لتسهيل نقل الخامات المستوردة وتصدير الإنتاج.
الألف مصنع بالقاهرة الجديدة مشروع قديم من أيام مبارك تضمنته خطة وزارة الصناعة وعهد بالاشراف علي تنفيذه ومتابعته لهيئة التنمية الصناعية.. أقيمت بعض المصانع وبدأت الإنتاج فعلا.. بعضها مازال قائما وبعضها أغلق أبوابه بسبب الكساد ومشاكل أخري إنتاجية.. وكان الأجدر والإعلام يتناول هذا الموضوع أن يركز علي أنه إحياء لمشروع الألف مصنع ويتطرق إلي الأسباب التي عطلت تنفيذه بالصورة المرجوة وهل تم تلافيها مع الاشادة - وهذا حقها - بوزارة الاسكان لجهودها لاستكمال البنية الأساسية للمنطقة الصناعية لتشجيع المستثمرين علي إنشاء مشروعات جديدة حتي نصل إلي رقم الألف مصنع.. وهذا يحتاج سنوات أخري ولا يمكن أن يتحقق في العيد!
المستشفي الجامعي بالمنيا
الحديث عن المصداقية في تناول الأخبار يجرني للحديث عن النقد البناء وكيف يسهم الإعلام في إصلاح مواطن الخلل بكشف الأخطاء والسلبيات دون تهويل واستطلاع رأي المسئولين في كيفية علاجها حتي يقدم للرأي العام صورة كاملة عن المشكلة.
منذ أيام وصلتني عبر «الواتس آب» مجموعة صور وفيديوهات لمظاهر اهمال جسيم في المستشفي الجامعي بالمنيا صورتها أسرة مريضة نقلت إلي المستشفي إثر حادث مروري.. صرخات أسرة المريضة كانت تطالبني أن تفتح «الأخبار» ملف المستشفيات الجامعية وما تعانيه من قصور في الخدمات العلاجية ونقص الأجهزة وتدهور التمريض والنظافة..... إلخ.. وهذا حدث بالفعل أكثر من مرة.
الصور كانت بشعة.. أسرة متهالكة وطرقات وممرات قذرة وصراصير تمرح في كل مكان!.. لم يكن ممكنا أن أتجاهلها لكني في نفس الوقت والتزاما بمبدأ النقد البناء والرغبة في الإصلاح لا الهدم بادرت بالاتصال بالدكتور جمال أبو المجد رئيس جامعة المنيا التي يتبعها المستشفي.. أولا: لأضعه في الصورة إذا كان لا يعلم ولأستمع لرأيه إذا كان يعلم.
 وأشهد أنني فوجئت بحديث مسئول يقدر حجم المسئولية وأكبرت فيه الاعتراف الصريح بتدهور حال المستشفي إلي حد لا يمكن السكوت عليه.. لكنه في نفس الوقت أوضح لي الأسباب وخطة العلاج مؤكدا أنه تسلم عمله في ١٢ مايو الماضي ولم يقل لي «سأعمل وأعمل وأعمل» لكنه أشار إلي وجود خطة فعلا لتطوير المستشفي بدأ تنفيذها منذ فترة موضحا أن السبب الرئيسي لتدهور المستشفي إلي هذا الحد يرجع إلي قدم المبني وتكدس المرضي فيه لأنه يضم كل التخصصات.
 ولهذا اعتمدت خطة التطوير علي إنشاء مستشفيات تابعة تخصصية افتتح منها مستشفي القلب والصدر ومستشفي النساء والولادة وقبل نهاية العام الحالي سيتم افتتاح مستشفي الكبد ومستشفي الكلي والمسالك البولية.. نقل هذه التخصصات إلي مستشفيات جديدة خارج المبني الأم سيقصر خدماته علي الاستقبال والطوارئ والعناية المركزة والعمليات في غير التخصصات المشار إليها وبذلك سيخف الضغط عليه مما يساعد علي إعادة هيكلته وتطويره.. وشدد علي أنه في سبيل التعاقد خلال أيام مع شركة متخصصة للأمن والنظافة بالإضافة إلي اعتماد ٢٥ مليون جنيه لشراء أجهزة ومعدات طبية جديدة سيبدأ تشغيلها خلال شهرين.
وأنهي د. جمال أبو المجد حديثه بأنه ملتزم بتطوير المستشفي في أسرع وقت مؤكدا أنه سيدعوني لزيارة المستشفي بعد انتهاء تطويره وأنا في انتظار أن يتحول ما قاله رئيس جامعة المنيا إلي واقع ملموس.