حصل الدكتور مدكور ثابت الاستاذ بأكاديمية الفنون ـ رحمه الله ـ علي ملف خدمة نجيب محفوظ، نشر الملف في »أخبار الأدب«، لفت نظري فيه صفحة نجيب محفوظ الوظيفية الناصعة، ما من مخالفة واحدة طوال مدة خدمته، وعندما قامت ثورة يوليو قدم  إقرار ذمة مالية يثبت فيه أن مدخره يبلغ ستمائة وعشرين جنيها وبضعة قروش.. الملف يستحق لقب الموظف المثالي، أما من حيث النزاهة فقد كان مثالا يحتذي ومع ذلك انطلق الصحفي حلمي سلام وثيق الصلة بالنظام وقتئذ يهاجم محفوظ في مجلة الاذاعة بعد بدء الهجوم المنسق ضده بسبب نشر أولاد حارتنا، وضد الاستاذ هيكل ناشر الرواية، في هذه المرحلة تم تعيين محفوظ رقيبا علي المصنفات الفنية، ومازلت أذكر توقيعه علي التصريح الذي كان يسبق عرض الفيلم، روي لي محفوظ ان روايته «بداية ونهاية» كانت مرفوضة من الرقابة، وعندما تولاها وأصبح رقيبا جاءه صلاح أبوسيف قائلا «امضي يا حلو.. إنت الرقيب الآن» أجابه محفوظ «لا دي ولا غيرها» ثم أشار إلي المكتب قائلا : طالما أنا هنا لن تمر رواية واحدة لي. بعد سنة غادر موقعه الوظيفي كرقيب، وقبلت بداية ونهاية، رغم نزاهة محفوظ التي كانت مضرب الامثال طعن فيها حلمي سلام، يورد محمد شعير في الملف الذي أعده بأخبار الأدب نص ما كتبه في ديسمبر ١٩٥٩ مشيرا إلي الاعلانات التي ظهرت وتحمل اسم محفوظ كاتبا لسيناريو العديد من الافلام رغم تصريحه بأنه لن يمرر أي عمل يمت إليه طالما هو في مكان الرقيب. أرسل محفوظ ردا مطولا قال فيه إنه عندما عرض عليه الدكتور ثروت عكاشة تولي هذا المنصب الدقيق، قدم إليه محفوظ  قائمة بالاعمال السينمائية التي فرغ منها وحصلت علي موافقة قبله ولم تعرض بعد، وأوضح أنه بعد تسلمه المنصب لن يستمر في العمل ككاتب سيناريو أو قصة، أبدي الوزير تفهمه وتقديره لموقف محفوظ، رغم الايضاح المفحم لم  تتوقف الحملة ضده في مجلة الاذاعة، بينما كان الادباء القريبون من النظام يصعدون ضده وضد أولاد حارتنا، وصل الامر إلي ندوة الاوبرا الاسبوعية، والتي كان من المعتاد أن تنتهي في الواحدة والنصف ظهرا. بعض روادها أثاروا موضوع الرواية ودارت مناقشة حامية جعلت محفوظ يتجاوز نظامه الحديدي ويستمر حتي الثالثة والنصف عصرا، قاد الهجوم مدرس أدب في كلية الآداب، وناقد صحفي، لم تشر جريدة الجمهورية إلي اسميهما في تغطيتها للقاء ،إذن تتضح أبعاد الحملة في الملف المنشور بأخبار الأدب في  عددها الاخير، حملة ذات عدة شعب، اتهام بالكفر من ادباء وكتاب، يعقبه موقف من رجال دين، ثم تشكيك في النزاهة، وهجوم في ندوة، يفسر شعير الامر بأنه صراع أجنحة في النظام، لكنني أري المسألة أبعد من ذلك.