لم  نكن نقضي العيد كغيرنا في اكل «الكعك والبسكويت والغريبة والبيتي فور» والاستمتاع بالذهاب إلي السينما والحدائق.. فالاجازة الاجبارية التي كان يمنحنا اياها استاذ الاساتذة «مصطفي بيه امين» هي الشهر الذي يسبق أيام الامتحانات بالجامعة فقط.
كنا في الاعياد نذهب إلي المستشفيات العامة ونزور المرضي الذين منعهم المرض او ظروفهم العائلية من قضاء العيد مع ذويهم.. نهنئهم ونقدم لهم الهدايا المادية والعينية.. وقد قضيت اكثر من عيد داخل جنابات «قصر العيني» و«معهد الاورام» استمع لحكايات وألمس عن قرب سعادة المرضي برؤية من يزورهم.. وكان زملائي في قسم «لست وحدك» يذهبون إلي باقي المستشفيات الحكومية ودور المسنين والايتام ليشعروا من يفتقدون فرحة العيد بوجودها حتي لو كانت ساعات قليلة.
الاسبوع كله لدينا كان عملا.. فالايام الستة نقضيها في السفر إلي النجوع والقري والمناطق الفقيرة والاستماع إلي حكايات وآمال الفقراء والمحتاجين والباحثين عن باب رزق.. وفي اليوم السابع يكون اجتماع «الجمعة» المنتظر لنعرض ونناقش ما فعلناه.. ونتعلم من استاذ الاساتذة كيف نكون صحفيين.. واتذكر انه في احدي سفرياتي إلي «الفيوم» كان مرسل الخطاب «صول» في قسم الشرطة.. وعندما عرضت الحالة قلت انني لم اجده في بيته وذهبت له في القسم لانه كان هناك قتلي ومصابون بسبب انتخابات العمد.. ووجدت «مصطفي بيه» يقطع تسلسل كلامي ويقول لي «عليك ان تقوم بتحقيق عن انتخابات العمد.. وتعرض مثل تلك الاحداث وتسأل وزير الداخلية».. واخذ يفند لي المحاور التي يجب ان يتناولها مثل ذلك التحقيق الصحفي.. وبمجرد ان بدأت في اتخاذ خطواتي وجدت في اليوم التالي تحقيقا في « اخبار اليوم» بقلم الاستاذ «محمود صلاح» والذي كنت استمتع بقراءة ما يكتبه باسلوب سلس جذاب كل سبت وتحويل الحادثة إلي حكاية.
كان من المبادئ التي تعلمتها من «مصطفي بيه « انك لا تعطي المحتاج «سمكة» ليأكلها ليشبع ثم يبحث عن غيرها.. ولكن أعطيه «سنارة» ليصطاد بها السمك.. ولذلك تبنيت انا وزملائي في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي فكرة « المشروعات الصغيرة» من خلال مشروع اطلقنا عليه «اصنع نفسك».. فتحنا من خلاله الطريق لمجموعة من «الشباب والشابات» لتحقيق احلامهم في امتلاك مشروع يكبر مع الايام ليصبح مصنعا للتريكو او الخياطة او صوبات زراعية او بطاريات ارانب او مشاتل اواقفاص لتربية الاسماك او مناحل او ورش لاصلاح الاجهزة المنزلية.. وكنا نقدم لهم «الفي جنيه» بعد التأكد من قدرتهم علي تنفيذ المشروع.. ولكي نبث فيهم الجدية والالتزام كنا نفهمهم ونوقع معهم عقدا بان المبلغ قرض يسدد علي 5 سنوات بواقع 200 جنيه كل 6 اشهر مع فترة سماح عامين قبل التسديد.. ونجحنا في صناعة «المستثمر الصغير» في العديد من المحافظات.