إلي متي سيظل مكتوباً علينا أن نتعاطي أدوية منزوعة الكفاءة دون النظر للبعد الاقتصادي للعلاج، والأمني أيضاً؟

 أنهي الطبيب فحصه بعناية شديدة، وختم مناقشة تاريخي المرضي بسؤال عن جرعة العلاج الذي أتعاطاه وعن المدة الزمنية التي تناولته فيها. أبدي دهشته لعدم استجابتي للعلاج رغم أنه الوحيد المعروف لحالتي ومع ملاءمة الجرعة وطول المدة الزمنية. فجأة وكأنه انتبه إلي الحلقة المفقودة فسألني عن منشأ الدواء وهل هو مصري؟ وحين أجبت بالإيجاب هز رأسه آسفاً وعدّل علي روشتة العلاج بإضافة كلمة واحدة بجوار اسم الدواء ذيّلها بثلاثة خطوط لبيان أهميتها. الكلمة هي «مستورد». نصحني الطبيب بالبحث عن مصدر للدواء في السعودية أو أمريكا ليكون أرخص بالنسبة لي من شراء المستورد من مصر!

لم تكن تلك تجربتي الأولي ولا الأخيرة مع استفسارات الأطباء عن منشأ الدواء أو عن قدرتي المادية علي تحمل تكاليف دواء أجنبي لأن الأطباء لم يعودوا يثقون في كفاءة الدواء المصري وبالتالي أصبحوا يفضلون وصف الدواء الأجنبي. لكن الفارق الهائل بين سعر الدواء المحلي ونظيره المستورد يجعلهم يشفقون علي المرضي ويترددون كثيراً في وصف المستورد لمرضاهم وهم يعرفون بأن المادة الفعالة في الأدوية مصرية الصنع لا تكاد تؤثر في ناموسه.

لذلك تعجبت كثيراً حين قرأت خبراً عن توقيع رئيس الوزراء علي بروتوكول لإنشاء أول مصنع مصري للدواء في أفريقيا علي مساحة 100 ألف مترمربع بالعاصمة الاقتصادية الجديدة لغينيا الاستوائية، مع أن الخبر في حد ذاته كان جديراً بإثارة الزهو لولا السمعة المجروحة للدواء المحلي.

ثمة تفاصيل أخري مثيرة تتعلق بالخبر من حيث اسم شركة الأدوية المصرية صاحبة المصنع الذي سيقام في غينيا ورئيس مجلس إدارتها طبيب الصدر الدكتور محمد عوض تاج الدين وزير الصحة الأسبق، هذه التفاصيل رغم إثارتها للانتباه، إلا أنها لم تأخذني بعيداً عن التفكير والتساؤل عن مدي كفاءة الأدوية التي سيتم تصنيعها في مجمع غينيا الطبي، وهل ستكون مطابقة للمواصفات العالمية للدواء أم ستتمسك بالمواصفات المصرية ونقدم للأفارقة علاجاً بالبالوظة مكوناً من إضافة النشا والسكر كما هو الحال في الإنتاج المحلي؟

وإلي متي سيظل مكتوباً علينا أن نتعاطي أدوية منزوعة الكفاءة دون النظر للبعد الاقتصادي للعلاج، والأمني أيضاً؟. فتطويل أمد العلاج بوصف أدوية منزوعة الكفاءة من شأنه أن يفقد المجتمع نصيباً من حيويته ويخسر الوطن جزءا مهماً من قوته العاملة المنتجة، ناهيك عن إهدار الأموال في أدوية قد تكون رخيصة لكنها غير فعالة فتصبح كالهباء المنثور. وهذه جميعاً اعتبارات تضر بالأمن القومي.

مرحباً بك أيتها الرشيقة الفرنسية

فووووووووو... وانقطع الاتصال التليفوني بيني وبين زميلي العزيز رضا محمود. عاودت الاتصال لأطمئن علي تطورات علاجه فسألني عن سبب انقطاع المكالمة الأولي خاصة أنها انتهت وأنا ابتهل في خوف ياساتر.. ياساتر. كانت السماء تصرخ، صوت هادر لطائرة تحلق علي ارتفاع منخفض تسببت في قطع الاتصال واستدعت إلي ذاكرتي زمن الحروب الذي عاصرته في طفولتي وفجر شبابي. لكننا حرفياً لسنا في زمن الحرب. إذاً لابد أنها «رافال»، تلك الرشيقة الفرنسية الوافدة حديثا إلي سماء بلادي. لو كانت هي فأهلاً بها ومرحباً. ويصبح صوتها الهادر المرعب هذا الذي زلزلني وهز قلبي الضعيف أرقّ من زقزقة العصافير. «رافال» تبخترت في سماء القاهرة لتصافح معالمها من أعلي وتقدم نفسها إلي مواطنيها الجدد، هي ليست مجرد طائرة حربية، لكنها طراز نادر ومتقدم من المقاتلات التي تنتمي للجيل الرابع و لديها القدرة علي الإقلاع من علي متن حاملات الطائرات ولديها قدرات رادارية للاستطلاع والتصوير. مصر هي أول بختها فالغندورة الفرنسية لم تخرج من دارها من قبل يارب يبقي وشنا حلو علي بعض.