حين شاهدت صورته مشنوقا علي لوحة الإعلانات في طريق مصر الإسماعلية الصحراوي، بكت، هي الطفلة الصغيرة لم تتجاوز بعد العاشرة من عمرها ! قلت: هل أخافتك الصورة ؟ قالت: لا.. بس صعبان علي! متي عرفت هذه الصغيرة معني الظلم ؟ ومعني القهر؟ كيف أدركت الفارق بين الخوف والحزن ؟ كيف أدركت أن »فرج رزق فرج جاد الله»‬ السائق بإحدي شركات صناعة وسائل النقل كابد كل هذا الإحساس بالعجز والقهر واليأس، حد التخلص من حياته..! مات بعد أن تراكمت الديون، والأزمات المالية، هاربا من حكمين في قضايا شيكات وإيصالات أمانة، ومهددا بالسجن لعجزه عن السداد، وفوق ذلك زوجة و3 أطفال صغار لم يستطع شراء احتياجاتهم الضرورية، مع مطلع العام الدراسي، إحساس بالقهر وقلة الحيلة، ضاعف حالة الإكتئاب الذي لازمه.. تماما كالموظف الذي انتحر(قبل سنوات)حين عجزعن شراء ملابس المدرسة لأطفاله الصغار، فأختار الفرار..أساتذة القانون يسمونها (جريمة بلا ضحية) وأظنها (الضحية) التي دفعت دفعا الي (الجريمة) ! لم يكن »‬فرج رزق فرج» هو المنتحر الوحيد في الأسبوع الماضي، كان هناك عشرة آخرين ،عجزوا أمام مشكلاتهم ،وأزماتهم المالية الحادة، وفشلهم، ففروا هاربين..ولايخلو انتحار »‬فرج رزق» من دلالة مرعبة، فالسائق الفقير، اختار أن يصعد أعلي لوحة الإعلانات، في فضاء مفتوح بالطريق الصحراوي، ليعلن أن الدنيا ضاقت عليه، وأحكمت حلقاتها..! وليعلن بجسده المعلق علي (مشنقة لوحة الإعلانات) احتجاجه العميق علي مجتمع استهلاكي، طحنه طحنا، وعصف بحياته، عاجزا عن تحقيق الحد الأدني من احتياجات أسرته اليومية ...أنها (الأمبريالية النفسية) التي تحدث عنها د. عبد الوهاب المسيري، أو (سعارالاستهلاك) الذي داس علي إنسانية الإنسان فينا، وأحالنا جميعا الي ضحايا..!