‎هي حكاية مختلفة، تستحق أن نتوقف أمامها.. ليست شاعرة، لكن ما تكتبه هو أقرب إلي الشعر، ابنة شارع 21 بلانة -تهجير النوبة في أسوان (شارع بين جبلين، تحايل علي الصحراء، بزراعة شجرتين أمام كل بيت) وتحايل علي الشمس الحارقة بالمزيد من السطوع والوضوح والصدق... لكنها ليست سمراء! ‎قلت لها : نوبية بيضاء؟! ‎قالت : البشرة ليست علامة. ‎قلت: وما العلامة؟ ‎قالت: العدالة. ‎وهيبة صالح، كبير مفتشي أثار دهشور بسقارة، المشغولة بالتاريخ، ومشاريع إنقاذ الآثار المصرية، والمشغولة أيضا بالشعروالشعراء، والمشغولة دائما بدراسة فكرة العدالة الإجتماعية في البيت النوبي، وفي الثقافة النوبية عموما، وفي تفاصيل الحياة اليومية..في الشعر لا تتوقف أمام القصيدة، بقدر ما يشغلها الشعراء، الذين لا يشبهون أنفسهم، وينثرون دماء حبيباتهم في قصائدهم!! ‎فكرة العدالة بحث دائم لدي وهيبة صالح، نظام حياة وثقافة أصيلة كبرت معها في شارع 21 بلانة بالنوبة..هكذا تكتب عن النشأة التي رسخت لديها معني العدالة الإجتماعية: ‎(حيث البيوت متلاصقة، تفصلها شوارع متقاطعة، لها لون واحد، بيت مدير المدرسة ملتصق ببيت فراش المدرسة، ‎وبيت المهندس ملتصق ببيت عامل النظافة، وكل بيت مزين بمصطبتين حول المدخل..حين يعود المهندس من عمله ببدلته الأنيقة، والعامل بعفريتته المتسخة من جمع القمامة، إلي بيتهما المتجاورين..في وقت العصاري، يخرج كل منهما مرتديا جلبابا أبيض ناصعا، فلا تفرق بينهما، أيهما المهندس وأيهما عامل النظافة...اما أنا فعندما أصل إلي بيتي، أخلع عني الجينز والتيشيرت، وأرتدي جلبابي الذي لا يختلف عن رفيقاتي إلا في اللون والزخرفة..وفي الصباح الباكر، تفتح الأبواب، وتخرج الفتيات، وأنا منهن، ممسكات بالمكانس للتنظيف أمام المنزل، أكنس نصف الشارع أمام منزلي، وجارتي أمامي تكنس النصف الآخرمن الشارع أمام منزلها، وإن كانت جارتي مريضة، أقوم عنها بالتنظيف، ولم لا، وهي تداوم علي التنظيف أمام منزلي، في فترة غيابي في السفر...).