انتقد بعض الزملاء الأستاذ سمير فريد لأنه استضاف أفلاما تركية في المهرجان السينمائي الذي يرأسه ، الحقيقة أن ما أقدم عليه قمة الوعي الثقافي والسياسي ، أن تقع خلافات سياسية بين بلدين لا يعني ذلك قطع العلاقات الثقافية ، السياسي عابر أما الثقافي فدائم ، قائم ، بالنسبة لي أري العلاقات المصرية التركية تاريخيا من منظور سلبي ، في القرن  السادس عشر هاجم سليم الأول السلطنة المملوكية ، وقعت هزيمة مرج دابق شمال حلب ،استشهد السلطان الغوري وهو يحارب دفاعاً عن موطنه الذي لم يعرف غيره ، ولم يعثر علي جثته ، استباح السفاح سليم الأول مصر ، ونهب حضارتها ، نقل إلي استانبول فنانين  يعملون في ثلاثة  وخمسين فناً وحرفة ، وعلي اكتافهم قامت عمارة وفنون الامبراطورية العثمانية التي  مارست أشنع أنواع الاستعمار ضد الشعوب الاسلامية ، وضد المسيحيين واليهود .  من حقنا أن نطالب بتعويضات عن هذا النهب الثقافي التاريخي ، غيرأن الثقافة التركية محصلة حضارات شعوب مختلفة تفاعلت معها القبائل التركية  التي زحفت من أواسط آسيا لتغزو القسطنطينية عاصمة الامبراطورية المسيحية الشرقية ، منذ صباي أقرأ أشعار ناظم حكمتي ، وأقرأ روايات ياشار كمال وعزيز نسين أما نديم جورسيل واورهان باموك فأعتز بصداقتهما الشخصية ، تعرفت علي الموسيقي التركية منذ بداية الستينيات ، وعلاقتي بها تحتاج إلي مؤلف كبير لشرحها ، بدأت مستمعا عبر الراديو والآن امتلك مكتبة ثرية ، وأحضر مؤتمرات موسيقية دولية للموسيقي التركية وتربطني صلة شخصية بأعظم عازف ناي في الموسيقي الشرقية قدسي أرجونار المقيم في باريس ، أما أكمل الدين إحسان أوغلو الذي نافس أردوغان علي الرئاسة ، فقد تعلم في مصر ، وكان والده باحثا في دار الكتب ، وهو دفين أرضها ، أكمل شخصية ثقافية مؤثرة ويكفيه فخراً مركز الفنون الاسلامية ـ ارسكا ـ في استانبول ، وهو يرعي إحياء فن الخط العربي وله صلة وثيقة بالمثقفين والمبدعين السياسيين ، أختلف مع سياسة اردوغان التي تحاول احياء الاستعمار العثماني ، وأعتبره مجرماً سياسيا لا يفهم قوانين التاريخ والواقع ، غير أنني أهيم بسماع جميل بك الطنبوري ودادا افندي ونور الدين سلجوك ، والموسيقي التي ألفها السلاطين العثمانيون ومنهم سليم الثالث  كما أحرص علي زيارة مولانا جلال الدين الرومي في قونية وحضور الحفل الديني المهيب الذي تؤدي فيه رقصة (سما) الصوفية كما رسم تفاصيلها  وقد مسخناها في مصر إلي (التنورة) ، أما السينما التركية فاشتهرت في الغرب ،  وقد شاهدت افلاما للمخرج العبقري يلماز جوناي ، ،للأسف لا يصل الينا ما ينتج من افلام تركية ، لا أعرف هذه السينما الا أثناء أسفاري أو باقتناء بعض الاسطوانات المضغوطة ، الخلافات السياسية يجب الا توقف تفاعل الثقافات الانسانية ، أردوغان بحماقاته موجود اليوم ، سيذهب بعد حين ويجئ من يعيد الأمور إلي أصولها ، أما الشعر والرواية والموسيقي والرسم وسائر الابداعات التركية فهي ميراث انساني ، اشكر الناقد سمير فريد لأنه أتاح لنا فرصة التعرف علي جديد السينما التركية ، هذا فهم دقيق للثقافة يجب أن يترسخ ونرحب به .