دائما ما كان يمثل لي صديقي »أنور محمد»‬ صورة المصارع بجسده الضخم وصوته الأجش وضحكاته المتقطعة المتحشرجة.. ورغم ذلك كنت آراه حين يخطو علي الأرض،  كأن قدميه قد ثقلت عليه واصبحت ملتصقتين بها فيجاهد في نقلها الواحدة بعد الأخري.. حتي انني لا اجد عناء في سماع حفيف حذائه علي الأرض يحف بالارض وهو قادم إليك أو مبتعدا عنك.. وحين تراه مدافعا عن رأيه- وهو دائما كذلك_ تشعر كأنه المحارب المهزوم الذي أبي أن يتخلي عما خرج في سبيل الدفاع عنه رغم هزيمته. حين تعرفت عليه في القسم الاقتصادي بالجريدة قبل تطوير أقسام الأخبار من الداخل كان ذلك منذ أكثر من عشرين عاما.. وكان في ذروة توهجه الصحفي.. وفي وقت كان حريصا حرصا شديدا علي إخراج العديد من المؤلفات في مناسبات سياسية مدافعا احيانا ومؤرشفا لكثير من الشخصيات والحوادث.. تعجبت منه كثيرا وعلي وجه التحديد من بنيانه الجسدي العظيم الذي يحمل بداخله براءة طفل ومودة محب...كيف اجتمع فيه المتناقضان حتي ان جسده الثقيل لم يتحمل رهافة حسه ورقة مشاعره فخانه ولم يعد يتحمله وسقط صريعا لمرض يشكو منه العديد من المصريين.  وسرعان ما فتكت بجسده الآلام ولم تخش من قوته البدنية الظاهرة.. يبدو انها لاحظت قلب الطفل الذي يحمله فتجرأت عليه ولم تهابه ففتكت بكبده.. لم يعد أمامه غير الرحيل بعيدا عن الوطن لإجراء عملية حياة أو موت..  لم تتأخر »‬الاخبار» عن احد أبنائها وسارعت بسفره عله يجد هناك ما يريحه من آلامه المبرحة بعملية تغيير كبد.. فعلها وتحسنت حالته وعاد للأخبار ولحرفته المبرز فيها .. وبعد فترة عاوده الالم وتصارع معه حاول التغلب عليه برقة مشاعره وقلبه الصافي دائما رغم صوته الاجش الذي يوحي بغير ذلك..  شعرت كأنه انزوي رغم ظهوره احيانا ويبدو أمامنا متماسكا صامدا.  لم يخل علي المرض ذلك التماسك.. وككل الحكايات دائما ما ينتصر الموت علينا إينما كنا..!