في نهاية الثمانينات اطلق الراحل الدكتور رفعت المحجوب الكلمة الشهيرة المجلس سيد قراره والتي أصبحت مثل الأمثال التي نتندر بها في حياتنا ، البعض أخذ الكلمة علي كونها فكاهية والقليل الذي كان يعلم قانونية الكلمة قبل دستوريتها.
ومن بعدها اصبح كنية البرلمان هي سيد قراره واترسمت صورة ذهنية خاطئة عن المجلس في ذهن الجميع وكان المجلس سلطة يراقبها او يسيطر عليها احد وهو امر غير صحيح لانه ليس هناك اي سلطان او رقيب علي المجلس سواه.
وأول أمس استأسد نواب البرلمان الجديد ورفضوا القرار بقانون الخاص بالخدمة المدنية والذي صدر في غيبة البرلمان، تأكيدا لمقولة المجلس سيد قراره ، ورسم صورة جديدة للبرلمان بأنه لا يتبع احدا ولا تحركه اوامرمن خارجه، وهو امر محمود ومطلوب ، ولكن هل الرفض في مصلحة الوطن ؟ سؤال مهم يجب الاجابة عليه ، خاصة ان هناك جهات اخري كانت في انتظار ان يوافق البرلمان علي القرار بقانون حتي يستغلوا بعض أعضاء الجهاز الاداري للدولة الغاضبين من القرار بقانون لتحريك الشارع المصري، واحداث وقيعة بينهم وبين الدولة ، وجاء قرار البرلمان لتفويت هذه الفرصة في هذا التوقيت المهم.
ولكن بالرغم من ذلك فإن القرار بقانون كان الخطوة الأولي في الإصلاح الاداري وهو ايضا مرتبط بالإصلاح الاقتصادي الذي نبتغيه ، ورفضه سيعود بِنَا الي نقطة الصفر والاهم انه سيعرقل حصول الدولة علي منح دولية كانت ستسهم في إنعاش الاقتصاد المصري في الوقت الراهن ، وكذلك سينعكس هذا الرفض علي المواطن البسيط الذي يعاني يوميا من الجهاز الاداري ومشاكله والبيروقراطية التي عششت فيه وأصبحنا غير قادرين علي مواجهتها وهو الامر الذي تسبب في هروب استثمارات اجنبية كثيرة بسبب ذلك.
المهم اننا الان في وضع مزعج ، لان الفراغ التشريعي الذي تركه هذا الرفض سيؤدي الي فوضي وقرارات كثيرة قادمة خاطئة لعلاج هذا الفراغ التشريعي، ومن ثم لابد ان يسرع البرلمان في التقدم بمشروع قانون مواز يحل سريعا محل القرار بقانون الذي رفض، يراعي فيه كل المآخذ التي اثارها النواب ومن قبلهم العاملون في الجهاز الاداري، واستشعر ان هذا الامر سوف يأخذ وقتا طويلا لان جدول اعمال المجلس مزدحم بأمور كثيرة ، فإذا لم يتحقق ما طلبت به علي الحكومة ان تبادر بالتقدم بمشروع قانون اخر لعرضه علي المجلس لاقراره، حتي نتفادي الفراغ التشريعي الذي حدث في أعقاب رفض النواب.