لا أظن أبدا ان الشعب الذي تحمل كل هذه النوبات الثقيلة والضربات العنيفة سوف ينخدع أو يخضع لما يحتال به الأعداء والخونة عليه
لست أبالغ حين أطالع ذلك الواقع المرير الذي شهدته مصر منذ تحول ثورتها العظيمة في يناير ٢٠١١ إلي خليط مشابه لتلك الأحداث التي صاحبت صعود محمد علي إلي حكم مصر، مع اختلاف وحيد يكمن في خريطة موازين القوي العالمية، حيث الدولة العثمانية العظمي كانت آخذة في الضعف والأفول، والدولتان الفرنسية والانجليزية، كانتا في صعود بين وفي طريقهما للسيطرة علي مقدرات منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.
وما تعانيه الإرادة الوطنية في هذه الظروف الدقيقة يجعلنا نفكر طويلا في مصير البلاد لو حدث وتمكنت القوي المناوئة لهذه الإرادة الوطنية من تحقيق سيناريو الصراعات الفئوية والتفكك الاجتماعي واختراق خط الدفاع الاخير بتوريط الجيش والشرطة في هذه الصراعات واشعال الفتن صغيرها وكبيرها علي أن تكون متواصلة لانهاك القيادة السياسية، وايقاف أي مشروع اقتصادي يحرك الركود ويرتفع بالهبوط الحاد الذي أصاب عصب الاقتصاد وشرد جهود التنمية وشتتها، وقد يدرك كل وطني مخلص أن النوايا التي جهرت بها الأطراف المتورطة في محاولات اخضاع مصر وتخريب مؤسساتها المتينة، هي مجرد مقدمات لاعادة تشكيل واقع اقليمي جديد يسمح للكيان الصهيوني بأن يسيطر علي المنطقة، ويدخل إلي عمق القارة الافريقية، ويكون لهم الجو والارض وما في باطن الأرض، وركام الدول العربية التي انسحقت تحت جحافل التطرف والإرهاب والفوضي العارمة، يؤكد انهم ماضون في المخطط، متجهون إلي الفصل الأخير من السيناريو المتأجج، ومهما ابدت الإدارة الأمريكية وتوابعها غير مايضمرون فإن ما نراه عين اليقين، ينذر بخطر داهم، أصبحت مصر علي مرمي البصر منه بعد فشل المحاولة الأولي بصعود قوي وطنية اختارت طريقها إلي بؤرة الصراع بما يمليه الضمير وتحتمه المسئولية.
ومن هنا أصبح التحدي والتضحية هما عنوان المرحلة، خاصة بعد ان امتدت الانياب إلي قلب الوطن لتخريب اقتصاده، بغية اثارة الغضب وتأليب الشعب ضد إرادته ورغبته الحقيقية للعيش الكريم والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وما ترونه الآن هو اتساع وتطوير للمخططات المضادة لقلب الجماهير علي نفسها والتقاتل في الشوارع أو في أماكن العمل، للتسريع بسقوط الإرادة الوطنية، وانهيار مناعة الشعب وعودة الإدارة المتحالفة مع المخطط الاستعماري لتقسيم مصر، واضعافها إلي الأبد، لا يغرنكم إذا هذه الصيحات التي تدعي دفاعا عن فئة من فئات الشعب تتعرض لاعتداء أو تجاوز من فئة أخري، بصور فردية أو جماعية، انه اعتراف منا بأننا لا نفهم حقيقة الصراع مع أعداء الوطن وطبيعته، وهذه الأساليب القذرة التي تستجد يوما بعد يوم، يستغل فيها ميراث من الفساد والاستبداد مازال يعشش داخل كثير من النفوس الخربة التي تنعدم فيها الوطنية وتختفي منها المروءة والتضحية، لابد أن نعترف بخضوعنا في أوقات ليست بقليلة لهذه النفس الامارة بالسوء التي لا تزال تحرك فينا الأنانية بل وتجعلها كل همنا ومبلغ علمنا، انها أوقات عصيبة، ربما تحتاج فعلا قريبا جدا من فعل محمد علي حين اجبرته الإرادة الوطنية أن ينقذ مصر من الفرقة والتمزق والصراعات المخزية، ولكن تبقي مصر، وتبقي الإرادة الوطنية اكبر من أي اسماء أو اشخاص.