حزن يتقابل بين رحيل قامات قانونية دبلوماسية صحفية تمثلت في غالي وهيكل وبين تصرفات طائشة لبعض الصغار تقتل المواطنين

يحدث هذا في أيام قلائل أن يعم الحزن أرجاء الأرض وليس مصر فقط برحيل عميد الدبلوماسية العربية والسكرتير العام للأمم المتحدة السابق ورئيس الفرانكفونية بطرس بطرس غالي الذي كنت أعرفه منذ الصغر وهو يملأ الدنيا تحركات سياسية خاصة في إفريقيا حيث كان موكولا له ملف إفريقيا في الخارجية أثناء عمله، فضلا عن دوره ضمن الفريق الذي عمل علي كامب ديفيد واتفاقية السلام وسفره مع السادات إلي إسرائيل.
كان غالي موسوعة فكرية ثقافية قانونية سياسية. إنه بطرس غالي الذي وضع قانون حقوق الإنسان وطلب تدريسه في المدارس.. وكان يختار كلماته بدقة شديدة في تصريحاته أو أثناء خطبه المحلية والعالمية.
لم يتألم لعدم وصوله إلي منصب وزير الخارجية حيث أنه كان وزير دولة للشئون الخارجية لأسباب أعتقد أنها زالت الآن من مفهوم الدولة العصرية التي تريد أن تجد لها مكانا بارزاً علي الساحة العالمية فالأكفأ أحق أن يتبوأ مكانه ولكنه حظي بمنصب أعلي علي مستوي العالم كسكرتير عام للأمم المتحدة وأخذ علي عاتقه إصلاح نظام الهيئة الدولية وخرج منها بشرف أيضا حيث رفضت أمريكا التجديد له لفترة ثانية لأنه عرض تقرير قانا الذي يصور الهمجية الإسرائيلية ويكشف الاعتداءات الإسرائيلية علي لبنان.. كان نموذجا بمعني الكلمة افتقدناه، لكنه لم ولن يرحل من ذاكرة وطنه وأهله.
وسويعات قليلة فصلت بين رحيل غالي والقامة الصحفية السياسية هيكل وكأن القامات تتعانق عند رحيلها فتصنع حزنا اكتملت قتامته.. كنت منذ الصغر لا أعرف من دروب الصحافة سوي مقال بصراحة الذي كان يحوي كل شيء الخبر والتحليل والرؤية ولا يقف الأمر عند ذلك بل يترك أيضا تساؤلات تدور داخل ذهن القارئ يتحاور معها محاولا الوصول إلي إجابات.. إن كتابات الأستاذ هيكل كانت تشعل الأفكار وتطرح علامات استفهام للبحث عن إجابات داخل المجتمع ومنطقتنا العربية.
كانت كتابات هيكل اضاءات كاشفة عميقة لموقعنا وواقعنا ترصد أين نقف وأين ينبغي أن نكون وبتحليلات شاملة للأوضاع الراهنة بأن مصر عليها أن تعود لقيادة الأمة العربية. وقد صدقت رؤية الأستاذ في آخر كلماته وحواراته بأن ما يحدث يصب في مصلحة إسرائيل التي اختفي أسمها من الصراعات الحالية واننا مقبلون علي تفتيت للأمة العربية إلي دويلات طائفية وعرقية تحت مزاعم الحرب ضد الإرهاب والأمر أكبر من تنظيمات مثل داعش وبيت المقدس وغيرهم من الجماعات المتشددة.
هيكل حتي آخر أيامه كان يبحث ويحلل ويقدم أفكارا من أجل وطنه ومنطقته العربية بأسلوبه المعهود بناء علي قراءاته واستقصاءاته وإلمامه بما يدور في العالم وتأثيره علي مصر.
يرحل العمالقة ويتركون لنا اقزاما من عينة أفراد الأمن الذين يتطاولون علي المواطنين بما يخالف دورهم ومهامهم التي هي في الأصل حماية المواطنين والأفراد. هؤلاء الأقزام ذوو نوازع نفسية مريضة تهيئ لهم انهم يملكون سلطة ويحق لهم التصرف دون اللجوء إلي القانون الذي يحكم الطرفين ورغم سعادة الناس كلما حققت الشرطة والجيش انتصارات علي الإرهاب والحزن الذي يملأه الفخر علي شهدائنا من المواطنين وأفراد الجيش والشرطة الذين تمتزج دماؤهم معا نجد فئة قليلة جداً تعد أقزاما أمام بطولات ضباطنا وأفراد الأمن الشامخين في مقاومة الإرهاب تسيء لهذا الصرح الأمني وتملأ حياتنا بحزن شائن ولكن هيهات فالعمل الصالح سيبقي ويمكث في الأرض أما الزبد فسيذهب جفاء.