عشية وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي إلي الكويت ظهر أمس، سألني صحفي كويتي شهير: هل تعرف الفرق بين السيسي ورؤساء مصر السابقين عبدالناصر والسادات ومبارك؟ هممت بالرد، لكنه أجاب: »‬أولهم جاء للحكم بإرادته ورفاقه أعضاء مجلس قيادة الثورة، والثاني والثالث جاءا بتصاريف القدر، بعد وفاة مفاجئة لرئيس، واغتيال مباغت لرئيس. أما السيسي فقد جاء بإرادة شعبية رغما عن رغبته. لهذا فمهمته أصعب، لأن الشعب يطالبه بما لم يطالب به سالفيه، وينتظر منه ما يتعذر علي غيره، مع ذلك أظن أنه سينجح». قلت: »‬نعم.. لابد له أن ينجح، لابديل لنا عن هذا» فرد قائلا: »‬ولابديل لنا نحن أيضا». كنا علي مأدبة عشاء في ضيافة الشيخ سلمان الصباح وزير الإعلام الكويتي، جمعت رؤساء تحرير الصحف المصرية ورؤساء تحرير الصحف الكويتية وأعضاء الوفد الإعلامي المصري المتابع لزيارة الرئيس السيسي الأولي للكويت. الأحاديث المصرية الكويتية بطبيعة الحال كانت تنصب علي الزيارة، التي يترقبها الكويتيون في انتظار رجل، يرون أنه وضع سداً حال في اللحظة الأخيرة، دون انجراف مصر ومعها ما تبقي من الأمة العربية، في دوامة فوضي يغرق فيها الجميع دون أمل في نجاة. وبين الجالسين إعلاميات كويتيات كن يرتدين دبوسا يحمل صورة السيسي، وآخر يحمل صورة الأمير الشيخ صباح الأحمد، في مشهد يصعب أن تراه في دولة أخري. لا تحتاج وسط صحفيين كويتيين كبار، أن تشرح صورة ما يجري في مصر، فهم يتابعون الأحداث والتطورات لحظيا مثلما نتابعها وبنفس قدر الاهتمام، وبعضهم إما قادم لتوه من مصر، أو يستعد للذهاب إليها. غير أنهم لا يستطيعون، حبا لمصر وإعجابا برئيسها، إخفاء سعادتهم بأنها أول زيارة لدولة خليجية يقوم بها السيسي، وأنها أول زيارة لدولة عربية يبيت فيها، ويقضي أكثر من ٢٤ ساعة خارج مصر، وأنها أول زيارة خارجية للرئيس المصري تشهد هذا الحشد من رجال الإعلام، الذي يفوق عدده 80 صحفيا وإعلاميا. • • • لقاء العشاء، أتي في ختام لقاءات متتالية لرجال الصحافة والإعلام مع نخبة من كبار الكويتيين، بدأت بالشيخ سلمان وزير الإعلام، ثم الشيخ محمد العبدالله المبارك الصباح وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء، ثم عبدالوهاب البدر مدير الصندوق الكويتي للتنمية، واختتمت بلقاء مطول مع الشيخ صباح الخالد الصباح النائب الأول لرئيس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي. تلك اللقاءات لم تكن فقط تعبر عن حفاوة بالضيف الكبير الذي سيحل علي أرض الكويت في اليوم التالي لكنها في صلب حواراتها ومداولاتها كانت أقرب إلي استعراض مفصل للمباحثات التي سيجريها الرئيس المصري مع الشيخ صباح الأحمد أمير الكويت بعدها بساعات فور وصوله إلي مطار العاصمة الكويتية، ثم في المساء علي مأدبة عشاء في قصر بيان. وكذلك لمضمون لقاءاته المكثفة علي مدار اليوم الأول لزيارته مع رجال الأعمال الكويتيين، ووزير الخارجية، ورئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم ورئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك الصباح. مشاعر المحبة لمصر ولشعبها، لم يقتصد مسئول كويتي قابلناه، في أن يعبر عنها عرفانا بدور المعلم والطبيب والمهندس المصري في النهضة الكويتية، واحتراما للدماء المصرية والكويتية التي امتزجت علي أرض سيناء في حرب أكتوبر، وعلي أرض الكويت في حرب التحرير ووجدنا وزير الدولة الكويتي يقدم نفسه بأنه من مواليد مستشفي علي إبراهيم بالقاهرة وأنه أمضي طفولته بمصر، ويعتبر نفسه واحداً من المصريين. أما عن مشاعر الارتياح لما جري خلال الشهور الستة الماضية في مصر، فلم يتردد مسئول كويتي في الإفصاح عنها. فمصر ـ علي حد قول وزير الخارجية ـ هي قلب الأمة العربية، وعندما تأثر القلب بالمخاض العسير الذي تمر به المنطقة، تأثرت الأجنحة في دول مجلس التعاون الخليجي وشمال أفريقيا. وهي إذ تستعيد دورها القيادي، تعود العافية لأمتها. ومصر ـ علي حد تعبير مدير الصندوق الكويتي، تحقق بمشروع قناة السويس الجديدة، إنجازاً هائلا بحجم العمل في الحفر وزمن إنجازه وهذا المشروع كما وصفه، هو التربة الخصبة لاستثمارات هائلة منتظرة في محور تنمية قناة السويس الذي يعتبره الفرصة الذهبية للاستثمار في مصر، والفرصة الأكبر لمستقبل العالم العربي كله في منطقة واعدة ترشحها لأن تكون في الغد القريب أفضل من سنغافورة. • • • قضايا التعاون الثنائي المطروحة علي القمة المصرية الكويتية، محل اتفاق وتفاهم، ويحدد المسئولون الكويتيون موقفهم منها في النقاط التالية: • الكويت ستشارك في قمة مصر الاقتصادية بشرم الشيخ التي تبدأ 13 مارس المقبل، علي المستوي الرسمي ممثلا في الحكومة وهيئة الاستثمار والصندوق الكويتي للتنمية، بجانب رجال الأعمال. وهذا القرار يسبق وصول الدعوة الرسمية، وقائمة المشروعات المطروحة للاستثمار في مجال البنية الأساسية وغيرها. • انخفاض الأسعار العالمية للنفط لن يؤثر علي المساعدات التي يقدمها الصندوق الكويتي لمصر، بل ستزداد لتصل إلي 1500 مليون دولار خلال 5 سنوات قادمة وسيزداد إجمالي مساعدات الصندوق بنسبة 20٪ اعتباراً من أبريل المقبل. • الجالية المصرية في الكويت التي تمثل 15٪ من تعداد البلاد، تحظي بكل تقدير وتسهيلات، ومشكلة تجديد الإقامات التي تأثر بها 1٪ من عدد أبناء الجالية يجري العمل علي تذليلها وفقا للقانون الكويتي. • نظام الكفيل محل دراسة في الحكومة الكويتية لإيجاد بدائل له. • التعاون في مجال مكافحة الإرهاب وتصحيح صورة الإسلام، يتم بين البلدين علي المستوي الثنائي، وكذلك علي المستوي العربي عبر آليات الجامعة العربية التي يعكف خبراؤها علي وضع استراتيجية تستند إلي الفكر في مواجهة التطرف، ويعول الكويتيون كثيرا علي دور الأزهر الشريف في مجال محاربة التطرف وتصحيح صورة الدين السمح. • تثمن الكويت موقف القيادة المصرية من جهود المصالحة مع قطر التي تبنتها الكويت، وتضمنتها مبادرة العاهل السعودي الملك عبدالله، وتؤكد التزامها بالدفع في اتجاه تنفيذ اتفاق الرياض، ومتابعة تنفيذه وإزالة أي عوائق. • أما علي صعيد القضايا العربية والإقليمية.. فهناك توافق كامل بين مواقف البلدين تجاهها، واكتسب النقاش بين القيادتين المصرية والكويتية أهمية خاصة في هذا السياق، انطلاقا من أن أمير الكويت الرئيس الحالي للقمة العربية سيسلم رئاسة القمة في دورتها الجديدة نهاية مارس المقبل إلي الرئيس السيسي في مؤتمر القمة المقبل الذي تستضيفه مصر. • وتتطلع الكويت ـ كما يؤكد وزير خارجيتها ـ لأن يتسلم رئاسة القمة »‬أخ قادر» علي القيام بدور أكبر في حمل قضايا الأمة، خاصة مع تنامي الدور المصري في العراق وامتداده إلي سوريا وليبيا، وتأمل أن تنجح مصر في جهودها لجمع المعارضة وممثلي النظام السوري في اجتماع بالقاهرة. ولا تخفي الكويت قلقها من مخاطر تنظيم داعش الذي يحتل مساحات شاسعة علي مرمي حجر منها داخل العراق، وأحال سوريا إلي بؤرة تجمع آلاف المتطرفين الأجانب القادمين من أوروبا وأمريكا. كما لا تخفي قلقها من البرنامج النووي الإيراني، حتي لو كان يقتصر علي مجال الاستخدام السلمي، لأن بعض مفاعلاته تقع علي الشاطئ الآخر من الخليج، مما يهدد الكويت بمخاطر داهمة، علي الأقل بيئية في حالة حدوث تسرب في مياه الخليج. وفي هذا المجال، تدعو الكويت إلي إحياء المبادرة المصرية بإخلاء الشرق الأوسط من أسلحة التدمير الشامل، لتجنب هذه المخاطر. • • • بالأمس.. جرت مباحثات القمة المصرية الكويتية، ولقاءات الرئيس السيسي مع كبار المسئولين الكويتيين، وسط حفاوة بالغة، واهتمام إعلامي كبير، تمثل في إذاعة وصول الرئيس وبث لقائه مع الأمير علي مأدبة العشاء علي الهواء مباشرة بالتليفزيون الكويتي وهو حدث يتم لأول مرة مع رئيس دولة، ووسط رغبة مشتركة في الوصول إلي قرارات ونتائج تدفع بعلاقات التعاون المشترك، وتطلع كويتي إلي دور مصري متزايد في استعادة الأمن والاستقرار بالمنطقة العربية. هنا في الكويت.. يشعرون بالتفاؤل لزيارة السيسي في مطلع عام، تري القيادة الكويتية أنه سيكون عام مصر.