ألبسوني ثوبا بسيطا أشبه بكفن الموت لا يغطي إلا بعضا من جسمي بعدما جردوني من مقتنياتي ومتعلقاتي وثيابي كيوم ولدتني أمي، وحمدت الله أنني كنت مغتسلا ومتوضئا، لكنني أصبت فجأة بحالة من الصراع النفسي بين تساؤلات مقلقة: هل أنا مقدم علي شفا حفرة من حفر النار أم سائر إلي روضة من رياض الجنة؟ وهل أحشر مع الذين يقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها، ووجدوا ما عملوا حاضرا، ولا يظلم ربك أحدا أم أكون في ظل الرحمن من السبعة الذين يظلهم بظله يوم لا ظل إلا ظله ؟
تجمع حولي كونسلتو من الأطباء يتحدثون بالإنجليزية في صوت خافت يكاد لا يسمع وأنا سارح ومشغول بهذه التساؤلات التي ظننت أنها ستحدد مصيري في الآخرة بعد قليل، وأدرك الأطباء توتري فأخذوا يبسطون من حالتي، ثم غبت عن الوعي، وطالت الغيبوبة، وليتها طالت أكثر وأكثر في حضرة رجل فائق البهاء والروعة، شديد بياض الوجه والثياب، الكل يلجأ إليه متشفعا به، ولا يرد أحدا خائبا، لم أشاهد هناك ملكين شديدين غليظين ينهرانني ويستجوبانني، لأننا جميعا وفي مقدمتنا الشفيع في حضرة الواحد القهار، المليك المقتدر الذي سبقت رحمته غضبه.
أفقت عائدا إلي الدنيا التي هي دار الابتلاء، وعزائي أنني كنت بين أناس تخلقوا بأخلاق وعلم المرحوم الدكتور إبراهيم بدران الذي عرفته عن قرب نموذجا للطبيب المسلم الذي لا ينفد علمه وعطاؤه إلي يوم القيامة.
الحمد لله الذي لا يحمد علي مكروه سواه، وعسي أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا، فمن محاسن الابتلاء أنه ينتشلك من صراعات الحياة اليومية الصغيرة، إلي التركيز في الباقيات الصالحات التي هي خير عند ربك ثوابا وخير أملا.