الصحافة مرت بصيغتها القومية علي أطوار عديدة ما بين عصر عبدالناصر ثم السادات فمبارك وأخيرا مرحلة ما بعد ثورتي ٢٥ يناير و٣٠ يونيو، ففي عهد عبدالناصر اختزلت الصحافة القومية ـ ولم تكن هناك صحافة مستقلة أو خاصة ـ في شخص أيقونة وحيدة تشبه نظام الويندوز بلغة العصر، أيقونة رئيسية تحوي تحتها كل تفاصيل الصحافة والإعلام في عصر الأهرام وقناتي التليفزيون المصري فقط، حتي إذا كان عصر السادات، سماها السلطة الرابعة وتصحيحا لمسارها في عهد ناصر واستشعارا لعصر جديد متنوع النوافذ متعدد المذاهب الإعلامية يتوافق والخروج من عباءة الاشتراكية المحافظة إلي توحش الرأسمالية التي بلا قلب، وكان بصيص الحرية المحدود في عصر المنابر والأحزاب والديمقراطية الوليدة.
ولم يغب عن مبارك إحساسه بالعصر ودعم الصحافة قدر المطلوب منها، دون إخلال بمعادلة الصدام المؤذي مع النظام حتي أنه استطاع إخماد نار فتنة القانون ٩٣ لعام ١٩٩٥ مع غضب الصحفيين وثورتهم داخل نقابتهم دفاعا عن قدر متاح من حرية التعبير تمسكوا به ولم يفرطوا فيه، وكانت وقفة مبارك تعضيدا لهم وفهما لدواعي العصر ـ نسبيا.
ومع سيولة الأمور بعد ثورة ٢٥ يناير وعشرات الصحف الخاصة والقنوات الفضائية المتوحشة وتربص العالم الخارجي بما يجري في مصر، كان لابد من استراتيجية جديدة تتسم بالمعقولية المستطاعة من التوفيق بين هذه السيولة وبين صالح الوطن وبين تربص الخارج وبين محاولات من كشفتهم الثورة وأزاحتهم من الصورة، وزادوا أطيافا جديدة ونوعيات مختلفة بعد ٣٠ يونيو.. مع كل هذا كان لابد من رؤية سياسية فاحصة لكل قرار يصدر عن جهة سيادية مثل وزارة الداخلية يستوعب كل المعطيات السابقة ولا يزيد الأمور اشتعالا ولا يمد شبكات التواصل الاجتماعي بمدد من المعالجة السلبية السيئة التي حولت الأمر إلي صراع بين المجتمع وأصحاب الرأي من جهة وبين الجهات السيادية المنوط بها حفظ توازن المجتمع ـ قدر المستطاع ـ وعبور هذه المرحلة الصعبة من تاريخ مصر.
إن الأمور ـ دون شك ـ في حاجة لتدخل شخصي من رئيس الجمهورية لفك الاشتباك والحفاظ علي شعرة التواصل بين غالبية المجتمع ـ علي الأقل ـ والجهات المنوط بها دور قيادة الأمور بسفينة الوطن وتفادي الأنواء والرياح العاتية التي تحيطها من كل جانب، فلا تسمح بجنوح أو ثقوب تهدد سلامتها وتعوق إبحارها.
نحن في مرحلة فارقة من تاريخ الوطن ومسيرته أما أصحاب الرؤية القاصرة غير الحصيفة ولا المقدرة لحساسية المرحلة ولا الناظرة بشمولية لما يجري حولها، فالأفضل لهم وللوطن استدراك الأمر وتصحيح الأخطاء المتتالية في التعامل مع الحوادث الصغيرة والكبيرة وإدراك أن العواصف العاتية لا تفرق بين الجميع في عتوها وصعوبتها.