موافقة القمة العربية علي الاقتراح المصري بانشاء »‬قوة عربية عسكرية مشتركة» تمثل واحدا من أهم القرارات في تاريخ الجامعة العربية. صحيح أن الموافقة مبدئية، وأن العمل المطلوب كثير قبل أن يتحول الأمر إلي حقيقة علي الأرض.. لكن طرح الموضوع علي القمة والحصول علي موافقتها، وربط الأمر باتفاقية الدفاع العربي المشترك التي ظلت مجمدة لأكثر من ٦٥ سنة.. كل ذلك يمثل علامة فارقة في تاريخ العمل العربي، ويدل علي أن التحديات قد فرضت نفسها، وأن المخاطر التي تتعرض لها الأمة العربية قد فرضت عليها أن تودع محطة »‬الغياب» التي ظلت فيها طويلا، ودفعت ثمن ذلك فادحا علي مر السنين! صحيح أن ارادة الأمة كانت تتوحد في مواقف كثيرة مثل كل الحروب التي خضناها ضد العدو الإسرائيلي. وصحيح أن العديد من امكانيات الأمة العسكرية وغير العسكرية كانت تتجمع في مواجهة الخطر كما حدث في حرب ٧٣ التي استخدمنا فيها لأول وآخر مرة سلاح البترول في المعركة. لكن الصحيح أيضا أن الفُرقة والانقسام وتباين المواقف كانت سيدة الموقف بين الأنظمة العربية. والأكثر صراحة وإيلاما للنفس أن البعض كان يطلب الحماية من قوي الخارج ليجد نفسه - في النهاية - في موقف التابع أو الخاضع للابتزاز أو من يدفع ثمن حماية نظامه من استقلال ارادته وحرية بلاده وتقدمها!! ولا نريد بالطبع أن ننكأ جراحا نرجو أن تكون قد اندملت، ولكننا نريد فقط التذكير بأن العودة للحديث الجاد عن اتفاقية الدفاع المشترك، والبحث الحقيقي في تشكيل القوة المشتركة لا يعنيان فقط أن المخاطر قد احاطت بالأمة كما لم يحدث من قبل.. ولكن يعني أيضا أن الرهان علي الحماية الخارجية قد أثبت فشله، بدليل ما نراه علي الساحة العربية الآن من فوضي ودمار زرعها من كانوا يزعمون أنهم حلفاء واستخدموا فيها أحط أنواع الإرهاب الذي يتاجر بالدين. ولن نخرج من هذه الأزمات إلا إذا ادركنا الحقيقة الكبري التي تحكم الموقف منذ الحرب العالمية الثانية علي الأقل وهي أن العداء الغربي الذي قادته أمريكا بعد انهيار الامبراطوريات الاستعمارية الأخري لم يكن لهذه الدولة العربية أو تلك.. بل كان للعروبة نفسها، ولكل محاولات الوحدة العربية. حين جسدت مصر في الخمسينيات والستينيات بقيادة عبدالناصر هذه الرؤية.. كان العداء والحروب التي قادتها أمريكا وشاركها الاذناب لضرب أي خطوة علي طريق الوحدة العربية وأي نموذج للتقدم العربي.. والآن يتكرر المشهد (وإن اختلفت الظروف) والمطلوب من أعدائنا هو عالم عربي تهيمن عليه أمريكا وحلفاؤها وتتقاسم فيه النفوذ مع القوي الاقليمية غير العربية (تركيا وإيران وإسرائيل). هذه هي القضية الأساسية والباقي تفاصيل.