عندما ذهب السادات إلي القدس في يوم ٢٠ نوفمبر من العام ١٩٧٧. لم يعد السعدني الكبير يحتفل بهذا اليوم فهو نفسه عيد مولوده وعيد ميلاد أبيه الحاج عثمان وأيضا هو نفس اليوم الذي شهد مجيء شخصي الضعيف إلي الحياة.. بعدها قرر السعدني أن يصدر مجلة «٢٣ يوليو» مع أحد أقرب الناس إلي قلبه نور السيد وبالفعل صدر العدد الأول وضم نخبة من أهل القلم فكتب بها الاساتذة فتحي خليل وأحمد الجمال وعاصم حنفي والفريد فرج ومن كبار فنانينا الأساتذة صلاح الليثي وجورج البهجوري.. وكان هدف المجلة هو مصر وشغلها الشاغل فتم تسليط الضوء علي ما شاب بعض الكبار من فساد وما أصابهم من ثروات وكان السادات قد تبني سياسة الانفتاح الاقتصادي التي قضت تمام علي القاعدة الاقتصادية التي كان القطاع العام هو الاساس الصلب والحقيقي لها وتحولت المجلة إلي شوكة في حلق النظام ولم يفلت أحد من هؤلاء الذين ساهموا في خراب مصر وفي نفض ايدي الدولة من أعباء الفقراء ومصالح المهمشين والتحول إلي تبني مصالح كبار المستوردين ورجال الاعمال «بالنيات» ومع ان كل حرف وكل كلمة وكل تقرير وكل مقال وكل كاريكاتير كان عبارة عن طلقة مصوبة نحو هذه السياسة التي انحرفت بمصر عن المسار الطبيعي إلا أن الغلاف الخارجي للمجلة كان يحمل في كل الاعداد وعددها «٥٢» عددا اعلانا عن «مصر للطيران» كتبه بنفسه السعدني الكبير.. كان يقول «أحبت الحياة.. فصنعت الحياة» مصر هي الشوق إلي الحياة وفي الصورة إعلان لشركة مصر للطيران.
ولان المجلة لم تكن علي هوي الانظمة العربية وخصوصا جبهة «الصمود والتصدي» فقد عانت حتي من الدخول والتوزيع في كل من سوريا والعراق وليبيا وعمل الجميع علي الخلاص منها. وأيامها ادهشني هذا الاعلان الاسبوعي عن مصر للطيران وتصورت ان الشركة الوطنية بالفعل هي التي تتولي حملة الاعلانات في المجلة وسألت السعدني الكبير هل تدفع مصر للطيران فلوس هذا الاعلان.. هنا ضحك السعدني الكبير وأعقب ضحكته وقال.. انت «خوشني» ؟! وهو تعبير خاص به يطلقه علي أصحاب السؤلات التي هي من هذه العينة وأضاف.
احنا ضد النظام لكن مش ضد مصر.. ومصر للطيران العرب قاطعوها واحنا مش مع العرب في القرار ده لان المواطن المصري الغلبان في العراق بيشوف الويل وحياته بتتحول إلي لون الاسفلت وهو خارج من العراق إلي الاردن إلي مصر عبر طائرات عراقية وأردنية ... والحقيقة أن كل الشركات التابعة للاشقاء العرب حققت استفادة عظيمة من قرار مقاطعة مصر فأصبح هناك سوق لنقل المصريين من انحاء العالم العربي إلي القاهرة وهم بالملايين. وادركت يومها كم كان هذا الجيل الذي ينتمي له السعدني هو جيل نبت من أرض مصر الطيبة وكان بحق نتوءا منه كان كذلك محمد عودة وعبدالرحمن الخميس وزكريا الحجاوي وكامل زهيري وأحمد بهاء الدين ويوسف أدريس وعباس الاسواني وعبدالحميد قطامش ومصطفي محمود وصلاح حافظ ومحمود عوض ومصطفي شردي ولويس عوض والفريد فرج ولو فتحت باب الذاكرة لحصر هذا الجيل العظيم ربما تنتهي صفحات الاخبار قبل ان انتهي من الاسماء.. أقول قولي هذا وأنا أري بعض أصحاب القلم يوجهون سهاما مغموزة بالسم لمؤسسة وطنية هي بالتأكيد قطعة من هذا الوطن وكيانه بل وأكاد أشعر بالخزي من هؤلاء الشامتين .. وأقول لهم.. اختلفوا مع السيسي كما يحلو لكم.. ولكن لا تتخذوا من الخلاف ذريعة للشماتة في كارثة تخص الوطن بأكمله والمفترض في الشعوب العظيمة.. أنها تتوحد في أوقات المحن. وشعب مصر هو أعظم هذه الشعوب وعليه . فإن كل شامت هو بالتأكيد لا يستحق هذا الشرف العظيم وهو أن تكون مصريا