كما سبق وأرسل لي أحد القراء يطالبني بكتابة روشتة لعلاج المشاكل التي نمر بها، وتقديم إجابات واضحة، وحلول لكافة الأسئلة المحيرة، التي تشغلنا وتؤرق أيامنا، مبديا ضيقه من كثرة أسئلتي، وقله إجاباتي...أرسل لي قارئ آخر، والمدهش أنه بحكم عمله أستاذا بجامعة الإسكندرية، من المفترض أنه أعلي وعيا وثقافة....أرسل لي بضعة سطورغاضبة يخبرني بأنه سوف يكف عن القراءة لي (بعد أن كنت من المدافعين عنك في جلساتي، لكن بعد مقالك عن البحيري، ورأيك فيه، والرد المفعم من أستاذ الهندسة، يسلم فمه، أعرفك أنني لن أقرأ لكي بعد اليوم )!! ‎الرسالتان تعكسان ثقافة واحدة، نفس الرؤية، نفس المنهج الأحادي، في البحث عن الوعي الجاهز، والحلول السهلة والسائدة، والارتياح إلي الصورالكربونية المتشابهة، والملامح الواحدة، والخوف من المغايرة والاختلاف..منهجية السمع والطاعة، وقدرة الكورس علي ترديد النشيد ....وهي آفه الثقافة العربية عموما، يفزعها الحوار، وبراح المسافة والسؤال، وإطلاق الخيال، وإعمال العقل...غير مسموح أن نسمع بعضنا البعض، أن يحتمل بعضنا البعض، نؤسس فقط للتشابه، للخطوة الواحدة، والرأي الواحد... ثقافة تعلن الحرب علي كل ما هو مختلف عنها، فتطالب بإقصائه، وإبعاده ومنعه، ومصادرته، تقوم بإغماض العين عنه، وإسقاطه ومحوه، فلا كلام مسموحا، الا الكلام السائد، ولا رأي مسموحا الا الرأي السائد، ولا صوت الا الصوت السائد...ثقافة تعود إلي الوراء، أو تقف بنا في وضع ثابت.