لا أحد يقبل أن تتحول الدولة عن دورها الاجتماعي ومسئولياتها في رعاية أفراد الشعب خاصة »‬محدودي الدخل» الذي اصبح شعار بلا معني أو مضمون.. لتصبح دولة جباية واستغلال خاصة فيما يتعلق بأخطر مشكلة اجتماعية واقتصادية علي المستوي الشعبي.. وهي مشكلة الاسكان. المفروض أن هذا الدور وهذه المسئولية تجاه هذه القضية تنحصر في إحداث توازن بين الاسعار والتكاليف لصالح المواطن. العناية بهذه الواجبات تتطلب العمل علي اقتحام هذه المشكلة والمساهمة بإيجابية في حلها بعيدا عن الاستغلال والتربح وليس من خلال فتح أبواب المزايدة علي الاسعار. إن الدولة وباعتبارها المالك لكل الاراضي الصحراوية المحيطة بالمدن والتي تمثل ما يزيد علي ٩٠٪ من اراضي مصر قادرة علي إحداث التوازن في السوق من خلال تحديد اسعار معقولة للاراضي التي تعرضها للاستثمار الاسكاني. في السنوات الاخيرة والتي بدأت في منتصف السنوات العشر الاولي من الالفية الثالثة قررت الدولة عن طريق حكومتها ووزير اسكانها منذ ذلك الوقت ان تتحول إلي تاجر أراض وعقارات زاعمة أنها بذلك تخطو  نحو حل مشكلة الاسكان!! كانت البداية بيع الاراضي بالمزايدة وهو ما أدي إلي طفرات وطفرات في أسعار كل الاراضي ومنها بالطبع المملوكة للقطاع الخاص. كان من نتيجة ذلك ارتفاع اراضي البناء في المدن الجديدة التي كان يباع المتر فيها أيام المهندس حسب الله الكفراوي وزير الاسكان والتعمير الأسبق بما لا يتجاوز المائة جنيه. هذا الرجل الوطني تولي بأمانة وإخلاص وشفافية تنفيذ الاستراتيجية التي تبناها الزعيم الراحل أنور السادات وتتضمن  اقامة كل المدن الجديدة التي أصبحت من العلامات الحضارية في مصر وقد باشر الكفراوي مهمته لسنوات ايضا بعد ذلك في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك. تواصلت هذه السياسة التي اعتبرت بمثابة بورصة لاسعار العقارات في مصر إبان تولي الوزير الدكتور إبراهيم سليمان لوزارة الاسكان حيث لم يتجاوز سعر متر الأرض في مناطق ٦ أكتوبر والتجمع الـ ٢٥٠ جنيها. فجأة وبعد رحيل إبراهيم سليمان بسلبياته وإيجابياته التي يتم محاسبته عليها قرر وزراء الاسكان الذين جاءوا بعد ذلك تحويل الدولة إلي تاجر أراض وعقارات ولتذهب مصالح المواطنين إلي الجحيم . كان من نتيحة ذلك ومن خلال المزايدات التي سيطر عليها أباطرة شركات البناء أن وصل سعر متر الارض في هاتين المنطقتين ما بين ٣ آلاف وستة آلاف جنيه. كانت حجتهم في ذلك أن الدولة المصرية الفقيرة في الموارد في حاجة إلي ما يتم الحصول عليه من بيع اراضيها بهذه الاسعار المغالي فيها. لم يقتصر الارتفاع الهائل في ترمومتر أسعار الاراضي وممتلكات الدولة منها، بل شمل بالطبع الاراضي المملوكة للافراد والذين تحولوا بين ليلة وضحاها إلي أصحاب ملايين بفضل السياسة الرشيدة للحكومات ووزراء اسكانها. حول هذا الامر واقعة كنت طرفا فيها أثناء تفقد الرئيس الأسبق حسني مبارك لجناح إحدي شركات المقاولات الكبري بمعرض التعمير والاسكان الذي كان يقام كل عام في قصر المؤتمرات بمدينة نصر. لقد وجدت نفسي أتدخل أثناء قيام المسئول في هذه الشركة بعرض نموذج لاسكان الشباب بمساحة ١٠٠ متر وبتكلفة حوالي ٧٥ ألف جنيه بمقدم خمسة آلاف جنيه مع قسط شهري لا يتجاوز الـ ٧٠ جنيها . قلت كيف يا سيادة الرئيس لشاب من خريجي الجامعات- لا يتجاوز مرتبه في ذلك الوقت المائتي جنيه -أن يدفع هذا المقدم ويلتزم بدفع قسط هذه الشقة؟! هذا الذي دار من حوار خلال هذه الزيارة يجعلني بل ويجعل الجميع يستشعرون الحسرة والهلع وهم يتابعون أسعار الوحدات التي تعرضها وزارة الاسكان تحت مسمي الاسكان الاجتماعي بمساحة في حدود ١٠٠ متر والتي تتطلب دفع مقدم يقدر بحوالي ٤٠ الف جنيه وبقسط شهري لا يقل عن سبعمائة جنيه. لا جدال أن هذه الاسعار بالنسبة للحالمين بشقة لبدء حياتهم أو لإيوائهم مع أفراد أسرتهم لابد أن تثير الفزع والهلع خاصة إذا أضفنا إليها المصاريف والفوائد البنكية للعرض المقدم. من المؤكد أن الوسيلة الوحيدة لتمويل الحصول علي هذه الشقة مع كل التسهيلات الوهمية التي يتم الاعلان عنها هي تشجيع الانحراف والفساد والحقد في المجتمع لتحقيق هذا الأمل. لا أحد يستطيع أن ينكر أن هذا الانقلاب وما ارتبط به من تعقيدات في الحياة الاجتماعية بمصر  إنما يعود إلي تخلي الدولة عن دورها ومسئولياتها علي ايدي السادة الوزراءالمختصين الذين تحولوا إلي تجار أراض وعقارات.