‎بانتهاء السباق البرلماني الشاق، تكون الدولة المصرية قد استكملت مكوناتها الدستورية، علي نحو يؤكد مواصل السعي نحو تجسيد مبادئ وأهداف ثورة الثلاثين من يونيو، كموجة ثورية صححت من مسار ثورة يناير الأم، بعد انحرافها قسراً خلف مصالح الجماعة الارهابية المعادية للمصالح الوطنية.
‎إلا أن الاكتفاء بإنجاز الاستحقاق البرلماني ، لا ينبغي أن يحد من الطموحات الشعبية المشروعة، اذ لا يمكن تقييم المسيرة الوطنية،والوثوق في صحة توجهاتها ، دون النظر الي حتمية ظهور مستجدات واضحة، تشير بحسم الي حدوث تغيرات جذرية في الثقافة المجتمعية، تضيف ثقة ومصداقية متنامية في عملية التحول الديمقراطي التي بدأت منذ الثلاثين من يونيو. ولا شك ان السلطات الرئيسية في الدولة، التنفيذية والتشريعية والقضائية، أحق وأجدر بالتعبير عن قيم وأهداف الثورة المصرية، لتنطلق منها شرارة البدء في مرحلة جديدة، تؤسس بالفعل لدولة مدنية حديثة، تتبني جميع مبادئ الحكم الرشيد، وتلبي مختلف التطلعات الثورية في حياة كريمة حرة.
‎فإلي جانب نمو اختصاصات مجلس النواب الجديد بموجب دستور ٢٠١٤، لا ينبغي أن تغيب مسئوليات ضخمة عن أعضاء البرلمان الجديد وهم يستهلون عملهم الوطني الكبير، ففي أداء البرلمان الجديد يكمن الكثير من جدليات الثقافة المجتمعية المعبرة عن مدي بلوغ الثورة المصرية أهدافها، طالما كانت الثورة قيما جديدة تعبر عن تغيرات جذرية في المجتمع بما يدعم ويعزز أهداف الثورة.
‎ فمشاهد رديئة لو أنها غابت عن قاعة البرلمان الجديد، لدفعت بالثورة ومستقبلها الي مواقع أفضل في أوساط الرأي العام، المحلي والعالمي، بما يدفع بمزيد من المصداقية في مسيرة الدولة المصرية نحو انخراط حقيقي في منظومة القيم العالمية الحاكمة لسير العلاقات الدولية المعاصرة.
‎وعليه، عسي كاميرات وشاشات الفضائيات لا تعثر علي عضو نائم، وآخر يلعب بهاتفه المحمول بشغف لم تبدده هموم الوطن، وغيرهم يتهافتون علي الصفوف الاولي طلباً لتوقيعات الوزراء ولا يقل عن ذلك أهمية ضرورة أن ينبع التسابق لطلب الكلمة من مسئولية وطنية وعن دراسة حقيقية،لا عن سعي الي شهرة إعلامية، أو مزايدة سياسية، ناهيك عن تصفية الحسابات
‎في هذا السياق، ليت شعورا «جديداً» ينتاب النائب البرلماني، فيدرك أنه ما جلس في مقعده إلا نائبا عن الامة كلها، ومن ثم ينبغي أن تختفي الاهتمامات المحلية الضيقة، إلا إذا كانت في اطار رؤية وطنية شاملة لا تسابق فيها الي ارضاء «أهل الدائرة» وليس إلا كذلك نبتعد بالبرلمان عن مفهوم «نائب الخدمات» الذي شوه الكثير من المضمون السامي للبرلمان.
‎ورغم انتشار الصفقات حول توزيع المواقع القيادية بالمجلس قبل اتمام تشكيله فإن أملا يحدونا في شعور أقوي بالمسئولية الوطنية الشاقة ، فلا نتخذ من الامر مجالاً لتوزيع «الانصبة» البرلمانية لتأكيد ان الموقع في المرحلة الراهنة، لا يحمل وجاهة اجتماعية قدر ما هي مسئولية وطنية وأمانة ستلقي حساباً شعبياً عسيراً، تنهض فيه وسائل الاعلام بدور عظيم واستناداً الي مبادئ ثورتنا يبدو الامل مشروعا في وضع معايير ملزمة لا يمكن تجاوزها فيما يتعلق باختيار أصحاب المواقع القيادية بالمجلس وفي السياق ذاته لا مجال الي العودة بالبرلمان الجديد الي قيم عهود فاسدة لطالما شكلت الحصانة البرلمانية كثيرا من دواعي الفساد والافساد.