ليس هناك ديموقراطية دون تعليم كما ليس هناك تعليم دون ديمقراطية فكل منهما بمثابة الروح للجسد. وقد أجمع كل من كتب أو فكر فى هذا الموضوع على هذه المقولة.
عندما تولى طه حسين وزارة المعارف العمومية فى عام ١٩٥١ فى حكومة الوفد الأخيرة برئاسة الزعيم مصطفى النحاس باشا أطلق شعاره التاريخى «التعليم كالماء والهواء». وكان طه حسين يعنى بهذا أن الحصول على التعليم حق مباح لكل الناس من مختلف الطبقات بالمجان. وربط طه حسين هذا الحق بالديموقراطية التى أقرهاالدستور المعمول به فى ذلك الوقت. ومثلما ربط حسين الديموقراطية بالتعليم فإنه أيضا ربط الثقافة بالتعليم فهو لايتصور أبدا أن تزدهر الثقافة فى بلد يسوده الجهل.
ولم يكن ما نادى به طه حسين بالنسبة لمجانية التعليم مرتبطا بتوليه وزارة المعارف ولكن كان ذلك هو ما يعتقده ويؤمن به ومن أجل ذلك أصدر فى منتصف الأربعينيات كتابه الخالد «مستقبل الثقافة فى مصر» الذى اعتبره لويس عوض أهم كتب طه حسين بعد كتابه الذى أثار ضجة كبيرة وقوض مفاهيم كانت راسخة وهو كتاب «فى الشعر الجاهلى». ويعتبر كتاب «مستقبل الثقافة فى مصر» دستورا للتعليم وإصلاحه وإصلاح الديموقراطية. فقد ربط طه حسين فى هذا الكتاب بين تطبيق الديموقراطية وحرية التعليم ومدى مسئولية الدولة فى النهوض به.
ولم يكتف طه حسين بما حصل عليه من العلم الذى يؤهله إلى إصلاح ما يستطيع إصلاحه قبل تولى الوزارة بل كان يحرص على الذهاب إلى المؤتمرات التى تناقش المستجدات فى أمور التعليم فهو يقول فى مقدمة كتابه : «والأمر الثانى أن وزارة المعارف ندبتنى لتمثيلها فى مؤتمر اللجان الوطنية للتعاون الفكرى الذى عقد فى باريس فى صيف السنة الماضية، وأن الجامعة ندبتنى لتمثيلها فى مؤتمر التعليم العالى الذى عقد فى باريس ايضا. وقد شهدت هذين المؤتمرين، واشتركت فيما كان فيهما من حوار، وشهدت مؤتمرات أخرى عقدت فى باريس أثناء ذلك الصيف، حتى قضيت شهرا أو نحو شهر أشبه شىء بالطالب الذى يختلف إلى الدروس والمحاضرات فى مواظبة ونظام. وكانت كل هذه المؤتمرات على إختلافها تدرس الثقافة من بعض أنحائها.
وقد سمعت فيها آراء وشاهدت فيها أشياء وأثار ما سمعت واشاهدت فى نفس خواطر وعواطف وآمالا، لم أر بدا من تسجيلها، فمنيت نفسى بأن أنتهز فرصة هذه الخواطر والعواطف، لأنجز ماوعدت به الشباب الجامعيين فيما بينى وبين نفسى.
وكان الحق على أن أرفع بعد عودتى إلى مصر تقريرا إلى وزارة المعارف وتقريرا إلى الجامعة.
وكان طه حسين يدرك أن كتابه «مستقبل الثقافة فى مصر» عند صدوره سوف يثير الجدل ولكنه الجدل الخصب الذى يبرز الصواب فى كثير من الأحيان وأن هذا الكتاب سوف يجعل الشباب يدركون بأن أساتذتهم وآباءهم الذين يقسون عليهم أحيانا ويكلفون كثيرا من الجهد والعناء أحيانا أخري، ويظهرون لهم الجفوة والغلظة فى كثير من الظروف، انمايقدمون على ذلك لأنهم يحبونهم كما يحبون أنفسهم. ولأنهم يؤثرونهم بالخير، ويختصونهم بالبر، ويحرصون أشد الحرص على أن تكون أجيال الشباب خيرا من أجيال الشيوخ. وعلى أن يحقق الشباب لمصر من المجد والعزة ومن النعمة والرجاء ما عجز الشيوخ عن تحقيقه؟
ويرى طه حسين أن الحرية ليست مجرد غاية تبتغيها الشعوب وتسعى إليها الأمم وإنما هى وسيلة نحقق من خلالها أغراضا أرقى منها وأبقى وأشمل فائدة وأعم نفعا.
وهو يهدف من العلم أيضا الحضارة «التى تقوم على الثقافة والعلم والقوة التى تنشأ عن الثقافة والعلم. والثروة التى تنتجها الثقافة والعلم».
ومما يثير الدهشة وما يبرهن على أن الكاتب العظيم هو الكاتب الذى يستحق القراءة فى كل زمان ومكان. وطه حسين من هذا النوع من الكتاب والمفكرين. وعندما قرأت هذه السطور أدركت كل الإدراك أن الرجل مازال يعيش بيننا وينير طريقنا حيث يقول: «وبعد الحصول على الحرية والتخلص من الطغيان لايشغلنا الفرح عن النشاط. وألا يصرفنا الأمل عن العمل وأن العهد الجديد انما يحملنا تبعات جساما أمام انفسنا وأمام العالم المتحضر. لذلك فإن علينا أن نأخذ أمورنا بالحزم والجد منذ اليوم، وأن نعرض عن الألفاظ التى لاتعنى إلى الأعمال التى تغنى وأن نبدأ فى اقامة حياتنا الجديدة من العمل الصادق النافع على أساس متين.
وللحديث بقية