أذكر انه طوال سنوات ممتدة كان يجتمع فيها وزراء الاعلام العرب كى ينعقد اجتماعهم وينفض بلا شىء.. لا جديد او مفيد.. سوى انعكاس المزيد من الخلافات العربية على اهداف هذه اللقاءات والتى لم تخرج عن مطلب يتكرر كل عام وهو انشاء قناة عربية تخاطب الغرب بلغاته الاعجمية.. وهذا اقصى ما كان يصل اليه المجتمعون «قناة تكلم الخواجات والسلام..» فليس هناك رؤية او استراتيجية محددة ولا خطة تنفيذية وفق هذه الرؤيا وبالتالى فلا تحديد للميزانية التى تتطلب اسهاما من كل الدول العربية الممثلة.. وباختصار لا اساس لقيامها وهى لم تقم حتى الان بعد كل هذه السنوات ولله الحمد فى كل حال.
- لا شىء يأتى من اللاشىء.. كيف لنا ان نعرف ما نعلنه للاخرين اذا لم يكن لدينا اى رؤية لأنفسنا وقضايانا الحقيقية والغائبة اصلا عن العقل العربى الرسمى وما يحكمه ويحكم حوانيت الاعلام!.. فكل ما لدينا مساع متصارعة الهدف الاول والاخير منها.. ابقاء كل نظام على وجوده للابد.. حتى لو جاء ذلك على حساب علاقته بأشقائه العرب وبالمصالح العربية المشتركة وبالمزيد من عوامل الفرقة والخلافات المذهبية والطائفية تحقيقا للاهداف المقدسة عند السادة فى الغرب بتفتيت ما هو مفتت وتجزئة ما هو مجزأ.. وبذلك يفرح المخططون.. اذ يتسع الرتق على الراتق- إن وجد- وحين يأتى الطوفان كما الان.. تكون الفوضى الشاملة والضياع والخراب والدم والتقسيم.
هل يختلف بؤس المشهد العربى عن بؤس الاعلام العربى الذى هو مرآة له؟؟
ومع ذلك فمحاولة وزراء الاعلام العرب طوال سنوات لإنشاء هذه القناة هى اختيار خاطىء من الاساس، فلو افترضنا ان هذه القناة تحققت وتحقق لها كل ما لا وجود له.. فإن المشاهد الغربى المستهدف لن يترك ما ارتبط به من قنوات كى ينصرف إلى مشاهدة قناتنا هذه.. وهو ما تنبهت اليه داعش ومن وراءها.. فاذا بها تتوااجد داخل قنواتهم الغربية مثلما حدث فى وصولهم إلى مساحات ومقالات داخل صحفهم.. وانظر إلى ما حققوه بهذا من استقطاب لشباب من المجتمعات الغربية بثقافاتهم المختلفة تماما!
- وداعش تفعل ما تفعله اسرائيل وسادتها معنا منذ زمن باستغلال جوانب الضعف فى العقل العربى وفى الكيان العربى بعامة، يساعدها على ذلك هى والمتربصين من الكبار ما يعكسه الاعلام العربى من تبعية فى معظمه لسلبيات الانظمة بكل ما فيها من عوار وتخبط وتعتيم.. وما ترتب على ذلك الان ونحن فى مواجهة محنة متوجة بالنار والدم ولا نعرف إلى اين ستمضى بنا وبالعالم وإلى اين ستنتهى. ويزيد من قسوة المحنة افتقاد الشفافية.. يعمق هذا تبعية الاعلام العربى فى معظمه للأنظمة مما يدفع المواطن العربى إلى متاهة تفقده القدرة على الروية او أى سبيل لمشاركة فى مناخ غير ديمقراطى.
- اذن فإن فقدان الشفافية والمناخ غير الديمقراطى.. هما القاسم المشترك الوحيد بين هذه الدول التى لا تعرف اى قواسم مشتركة للمصلحة والمصير العربيين.. وجامعة الدول العربية وعُقمها تفسير أيضا لذلك.
- وها هو الحصاد المر الذىلا يخلف مع المرارة إلا طعم الرماد والدم.. بعدما صرنا لهذا وبهذا.. وقودا لحرب مستعرة تستنزف كل قوانا.. وتهدر ما بقى من آدميتنا فى مشاهد وحشية دُفعنا اليها ليقتل الاخ اخاه فى جنون.. وتتراكم امامنا مشاهد يومية لأجساد ضحايا لا ذنب لهم.. ومع اتساع القتل والتدمير والجنون.. نشهد آلاف الآلاف فى هجرات اغتراب بائس مهين فى كل بلدان هذا العالم وعلى اطراف كل الحدود وبكل اشكال الاذلال التى يعلن عنها ضياع ملايين البشر الابرياء ومازال المجرمون الكبار يتاجرون بها وبنا لحسابات شيطانية.. اما افدح ما فى هذا الجحيم فهو ما يلفظه البحر من جثث لأطفالنا الصغار الأطهار الذين اغتالتهم بوحشية مصالح دنيئة عمياء ظالمة.. لا يدرى الاطفال الضحايا من امرها شيئا حين ابتلعهم الموج وهم غارقون فى ذهول براءتهم قبل الغرق القاسى.. اما البحر حين اوصلهم إلى شطئانه فكأنما يقذف فى وجه الجميع بحقيقة ان البشرية فقدت مبرر وجودها حين وصلت إلى ذلك المدى.. وأظنه يقسم ان هذا لن يكون بلا ثمن!
- ايا كانت المراوغات القائمة سياسيا او عسكريا، فهذا لن ينفى فظاعة ولا حجم هذا العار الذى لحق بكل من دفع وخطط لذلك، كما لا ينفى ان ما حل بنا كعرب.. جراء ذلك يلحق بنا عار السماح للاخرين بأن يعبثوا بنا وبمصير ابناء العرب إلى هذا الحد المرعب الذى سيكون له ماما بعده كما ذكرنا فى مقال سابق.
- اما نحن- مصر- فإننا كجزء من العالم العربى الذى يكتوى بهذا الجحيم.. فالامور معقدة بالنسبة لكل ما ذكرنا عن بؤس العالم العربى وإعلامه والذى شكل نوعا من الحصار والارباك المتزايد لأى دور مصرى كان متوقعا بعد ثورة 25 يناير!
- نعتقد ان عناصر الارباك متعددة.. ولكننا نختار المشهد الاعلامى المصرى كمفتاح لباقى عناصر الارباك التى تواجه محاولة التغيير الحقيقى من قوى بالداخل وقوى خارجية تحول دون عودة لمصر لحجمها.. وعودتها لقيادة العالم العربى للخروج من ازمته بحكم الدور الريادى الذى تعودته مصر حين تكون فى حجمها الصحيح.. ووضعها الذى نبتغيه والذى يستهدفونها دائما للحيلولة دونه.. وهذا الاختيار امتداد لربطنا السابق «بؤس الواقع العربى وبؤس اعلامه».