آثار الدكتور يوسف زيدان استاذ الفلسفة الاسلامية قضية الاسراء والمعراج والمسجد الاقصى مرتكزا على ترتيب سور القرآن الكريم بينما معلومات عامة المسلمين الاولية تعتمد على ان «اقرأ» هى اول اية انزلها الله سبحانه على الرسول الكريم وهى اول سورة العلق التى تحمل فى ترتيبا القرآن رقم 96 وليس رقم 1 أى ان ترتيب القرآن لا يعنى ترتيب لنزول سوره وآياته.
وقد افاض الدكتور على جمعة العالم الجليل فى الرد والتفنيد لما طرحه الدكتور زيدان بشأن قضية الاسراء والمعراج والتى تثير تساؤلات حول جدوى اثارة هذه القضية الان بينما تقوم جحافل الصهاينة باقتحام المسجد الاقصى تحت حماية قوات الاحتلال الاسرائيلية مما يصب لصالح هؤلاء الصهاينة ويحبط العرب فى مواجهتهم.
الا انه قد لفت انتباهى ان الدكتور زيدان لم يكتف بإثارة هذه القضية بل ألمح إلى ان الضباط الاحرار- ثوار يوليو 52- هم الذين اثاروا قضية القدس لاستثمارها وهم الذين قالوا «بإلقاء اليهود فى البحر» على حد قوله!
وهو امر يمس تخصصى اذ ان رسالتى للدكتوراه من اعلام القاهرة عام 1996 قد تضمنت عرضا ونقدا لهذه الاكذوبة وقد ناقشتى فيها لجنة شرفت ان كان من اعضائها الراحل العظيم الدكتور اسامة الباز والرسالة بعنوان «الوظيفة الاتصالية لمنظمة التحرير الفلسطينية».
واكذوبة القاء اليهود فى البحر صناعة صهيونية مائة بالمائة ضمن مقولات يجيد الصهاينة صناعتها والقاءها إلى العرب ليتداولوها ويرددوها وكأنها حقائق لتدخل إلى كتبهم واحاديثهم وتندس حتى على علمائهم.
واول من الصقت بهم هذه الاكذوبة كان المفتى امين الحسينى عندما واجهته لجنة شو البريطانية للتحقيق فى اعقاب حدوث اشتباكات بين العرب واليهود امام حائط البراق الشريف عام 1929 وسألته اللجنة عن الاحداث فعبر المفتى امام اللجنة بأن اليهود المهاجرين ليسوا مواطنين شرعيين دخلوا البلاد بغير حق من غير ارادة الشعب الفلسطينى فسأله محامى الوكالة اليهودية وهل تريد يا سماحة المفتى القاء اليهود بالبحر فنفى المفتى «نحن لا نريد القاء اليهود بالبحر، بلادنا لنا واليهود المهاجرون يعودون إلى بلادهم».
كذلك سأل الرئيس اليوغوسلافى تيتو عام 1966 الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عن انه متهم بالقول بالقاء اليهود بالبحر فنفى له عبدالناصر ذلك «اننى لم استعمل هذا الشعار فى حياتى وانا لست متحمسا له» وطلب عبدالناصر وقتها اجراء تحقيق لمعرفة اصل هذه الاكذوبة ومصدرها وتم التحقيق على نطاق واسع وشاركت فيه كل اجهزة رئاسة الجمهورية ووزارة الارشاد القومى ووزارة الخارجية واسفر التحقيق ان مصريا مسئولا أو غير مسئول لم يطلق هذا الشعار بل ان احدا من المسئولين العرب لم يطلقه كذلك.
والصقت الاكذوبة ايضا بعبد الرحمن عزام عام 1947 عندما التقى الصحفى البريطانى وودروف مندوب التلجراف البريطانية وسأل الصحفى عزام عن سبب معارضته لقرار تقسيم فلسطين وعن مصير المهاجرين اليهود فكان رد عزام «لقد جاءوا بالبحر ويستطيعون ان يعودوا منه إلى حيث جاءوا كما ان الاستاذ وحيد الدالى رحمه الله وكان مديرا لمكتب عزام وقتها قد ذكر لى شخصيا ان عزام قام بصياغة مذكرة عام 1941 بجمع المطالب التى وجهها الملك عبدالعزيز آل سعود إلى مؤتمر اقطاب دول الحلفاء والذى حضره الرئيس الامريكى روزفلت ورئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل فى بحيرة التمساح بقناة السويس واوضح فيها الملك عبدالعزيز انه يرى بالنسبة لليهود الذين هاجروا إلى فلسطين ان يعود هؤلاء اليهود المقصون عن بلادهم ليعيشوا فى البلدان التى اخرجوا منها اما اليهود الذين دمرت اوطانهم تدميرا تاما والذين لا تواتيهم الفرص لأن يعودوا للعيش فى احضانها فيجب ان يعطوا اماكن يعيشون فيها فى ارض المحور التى اضطهدتهم.
كما تم توجيه هذه الاكذوبة ونسبتها إلى احمد الشقيرى رئيس منظمة التحرير الفلسطينية فى اول يونيو عام 1967 فى مؤتمر صحفى فى عمان قبيل اندلاع حرب 1967 وسأله احد الصحفيين عن مصير اليهود فى الارض المحتلة فى رأيه فقال «يعودون كما جاءوا لقد جاءوا بالبحر وبالبحر يعودون ونحن مستعدون ان نساهم مع الامم المتحدة فى تسهيل عودتهم إلى اوطانهم الاولى فنقلت وكالات الانباء فى اليوم التالى للمؤتمر الصحفى خبرا بعنوان « الشقيرى يعلن من عمان ان العرب يحاربون لالقاء اليهود بالبحر».
وتطوع البعض ونسب هذه الاكذوبة ايضا للمذيع الوطنى احمد سعيد رئيس اذاعة صوت العرب اثناء حرب 1967 كما نسبها اخرون إلى ياسر عرفات ومحمد حسنين هيكل.
وفى اعقاب لجنة التحقيق التى شكلها عبدالناصر كتب البريطانى كريستوفر مايهيو مقالا اعلن فيه عن مكافأة مالية لمن يستطيع نسبة شعار المقولة إلى اى مسئول عربى او مصرى ورفع احد الصحفيين الاسرائيليين فى لندن قضية ضد مايهيو ولم تمكن الصحفى من تقديم اية ادلة ورفضت المحكمة البريطانية الدعوى لتؤكد بذلك عدم صحة نسبة هذه المقولة لعربى.
وبينما لم تنجح اسرائيل فى اثبات إلصاق المقولة بأحد محدد فان هناك من العرب كتابا وصحفيين واساتذة جامعات يتطوعون لترديد هذه الاكذوبة كحقيقة والصاقها بشخصيات بعينها بينما مصدر هذه المقولة هو ماكينة الدعاية الصهيونية التى تستهدف كسب تعاطف الغرب وتقديم تبرير لضم اراض عربية لاسرائيل.
ولعل من ابرز المقولات والاكاذيب الاخرى ايضا هى مقولة هروب الفلسطينيين عام 1948 من الاراضى العربية فى فلسطين وكذلك اكذوبة بيع الفلسطينيين أرضهم لليهود.
وكان اخر هذه الاكاذيب هى ما اطلقه رئيس وزراء اسرائيل نتانياهو بأن المفتى امين الحسينى هو الذى اقترح على هتلر حرق اليهود فأثار سخرية العالم من اختراع هذه الاكذوبة التى توضح كيف يفكرون فى صناعة الاكاذيب وتلفيقها للاخرين وترسيخها كحقائق وهى لا تعدو ان تكون اكذوبة.