أين النجوم ذوات السبع نجوم الذين صنعهم هذا البيت وصاحبه ؟! ما هذا النكران وما هذا الجحود وما هذه القسوة ؟!

الأستاذ سمير خفاجي.. ذلك الرجل الذي ملأ الدنيا وشغل الوسط الفني برمّته حيناً من الدهر، الرجل الذي يدين له بالفضل المئات من الفنانين والفنانات، مؤسس ومالك فرقة « الفنانون المتحدون « التي كانت معهداً تخرج منه فنانون صاروا في الطليعة وأمسوا في المقدمة، أجيالٌ بأكملها أهداها الأستاذ الخفاجي شهادات التميّز ومنحها إشارات الانطلاق نحو عالم الشُهرة والنجومية، منحهم كل ذلك بروح الفنان العاشق وبفكر الرائد المؤسس وبعقيدة المواطن الذي رأي في الفن حضارة الأمّة وركيزة من ركائز نهضتها، وهواءً نقياً يتنفس الناس عبيره ويسعدون لإبداعاته.. خاصةً في مصر التي قدمت للعالم العربي كلّه أجمل ساعات الفرح وأروع فصول السعادة.
كنت بالأمس في زيارة للأستاذ سمير، وهو رجلٌ عزيزٌ علي نفسي قريبٌ منها.. وعادةً ما أرجع من زيارات من هذا النوع سعيداً مسروراً مغتبطاً أن منحني الله فرصةً للوصل والوصال والتواصل مع النفر الذين لهم عندي هذه المكانة.
ولا أخفيك قارئي الكريم، أنني خرجت بعد هذه الزيارة وقلبي يتقطّع ألماً، ونفسي كئيبةٌ مُغتمَّة. ورحت أسألها : يا الله هل أنا كنت فعلاً في زيارةٍ لبيت سمير خفاجي، هل هو ذات البيت الذي كان العشرات بل المئات من نجوم الفن يتمنون زيارته والقرب من صاحبه ؟! وأين النجوم ذوات السبع نجوم الذين صنعهم هذا البيت وصاحبه ؟! ما هذا النكران وما هذا الجحود وما هذه القسوة ؟!
سمير خفاجي - الأستاذ - أيها السيدات والسادة.. وهو اليوم يتخطي حاجز الثمانين عاماً بنصف العقد، وحيداً في منزله، لا يزوره أو يطمئن عليه أو يؤنس وحشته سوي اثنين من أصدقاء العمر الأوفياء، أنا أعرفهما جيداً وهما يعرفان أنفسهم ولا داعي لذكر اسميهما..
جلست إلي صديقي الأستاذ سمير وقتاً لا بأس به، وهاتفه المنزلي والخلوي، خاليان من أي رنين، لا أحد يكلف نفسه عناء إجراء اتصال مجاملةٍ، لرجلٍ قاده إلي طريق النجاح والشهرة والثروة بالطبع. الرجل الإنسان الأستاذ سمير، بفضل الله ليس في حاجةٍ مادياً لأحد، فالله قد كفاه وأغناه في هذه الناحية، ولكن العقوق وقلة الوفاء هما من حرماه من متعة رد الجميل، من سعادة العمل الأصيل، ومن تجاوب الخلق النبيل.
أين أولئك العشرات الذين تعرفت أنا عليهم في بيت أخي سمير خفاجي ؟! أين من كانوا يؤمّون بيته التماساً للعون وطلباً للمساعدة ، ولم يبخل علي أحد منهم ومنهن بعونٍ أو مساعدة !!
لقد غابوا جميعاً حينما غاب الوفاء عن صدورهم، وغابوا جميعاً حين أمست تلك الصدور مقابر للوفاء. أين تلك المعلقات التي كانوا يقولونها في سمير خفاجي وأين الشعر والمديح والإطراء !!
ورجلٌ مثله اليوم وهو مُقعَد ليس في حاجة إلي كل ذلك، كل ماكان يريده عبارة بسيطة لا تأخذ من وقت صاحبها دقيقة : « إزيك يا أستاذ ؟ «، حتي هذه بخلوا عليه بها، في وقت تحيط بهم المعلقات والمعلقون، وكل المادحات والمادحين !! لقد نسوا في شهرتهم الرجل الذي أهداهم كل هذا النجاح وجعلهم نجوماً مشاهير.
وصدقوني إن سمير خفاجي يستحق عناء السؤال عنه، لو كان في السؤال عناء، ولم يكن السؤال وفاءً. ليشعر أن الدنيا بخير، ولا يعضّ أصابع الندم علي كل ما قدم. ليس سمير وحده يحتاج هذا، بل كل من عُمِّر في الخلق وانتكس، وكل من أصبحت الذكريات والزيارات هي الهواء الذي يتنفس، والماء الذي يروي عروقَ هرمه. ويعيد إلي روحه بعضاً من الطمأنينة والرضا.
فعلاً إن طول العمر مع انعدام الوفاء لم يعد ميزةً ( ومن نعمره ننكسه في الخلق ) صدق الله العظيم. ولا حول ولا قوة إلا بالله، فقد أصبحت صور قلة الوفاء هي التي تتداول اليوم، في ظل غياب شبه عام لقصص الأوفياء.
أسال الله أن يحسن لنا الخاتمة علي الإيمان، وأن يعيد إلي ذاكرتنا الحب والمودّة والحنان. جزاك الله أخي سمير علي ما قدمت لوطنك وللناس خيراً، والله عنده حسن الجزاء.