إن درس منظمة الشباب يؤكد أن القيادات الشابة تملك طاقة هائلة ستبدد في مسارات جانبية خارج نطاق السيطرة ما لم تستثمر والقاعدة الأساسية في العمل السياسي والعام

لا أعرف وربما غيري كثيرون لا يعرفون كيف دعي الشباب الذين التقوا رئيس الجمهورية أول أمس. ما أعرفه أن الرئيس السيسي يرغب في دعم الشباب وتبادل المساندة مع الشباب. ومن الإيجابي أن يكون هناك توجه للاستفادة من طاقة الشباب ولكن الأكثر إيجابية أن يكون هناك تنظيم يجمع هؤلاء الشباب.. تنظيم علي غرار منظمة الشباب الاشتراكي التي وجدت في الستينات وانتهت في السبعينات وإن كان كوادرها مازالوا موجودين بعدما أدوا أدوارا في كل مجالات الدولة.
تساءل الزعيم جمال عبد الناصر عن السبب في ابتعاد الشباب عن ثورة يوليو فكانت الإجابة : لعدم وجود بناء فكري محدد المعالم يرسخ انتماء الشباب للثورة. فقرر ناصر إنشاء منظمة للشباب الاشتراكي داخل الاتحاد الاشتراكي العربي ويكون لها تنظيم مستقل مدركا أن التنظيم الجماهيري لن ينجح بدون تنظيم سياسي يمكن من خلاله بناء الكوادر من داخل القطاعات النوعية والنقابات والجامعات وغيرها من الكيانات التي تضم الشباب بجانب البناء الجغرافي في المحافظات. أسند ناصر مهمة إنشاء منظمة الشباب إلي زكريا محيي الدين أحد أكفأ ضباط يوليو والذي كان صاحب باع كبير في بناء التنظيمات. ووصف ناصر الكادر الشبابي أو القيادة الشبابية التي تضمها المنظمة بأنها يجب أن يكون ذا تأثير جماهيري واسع.. حركيا يستطيع أن يواجه التحركات المضادة وأن يكون مؤمنا بالاشتراكية- وقتها-.
وحذر ناصر من اختيار الكوادر بالأسلوب البيروقراطي أو الإداري لأن ذلك سيؤدي إلي النتيجة التي نعانيها اليوم. وفضل أن يتم الاختيار في المحافظات من خلال الأشخاص الطبيعيين العاديين لا من خلال المحافظين الذين سيختارون الكوادر من بين أنصارهم الذين يريدون أن يخدموهم يستبعدون أصحاب الرأي الحر. لكن تحذير ناصر لم يجد نفعا وتم اختيار الكوادر من خلال المحافظين الذين عينوا مقررين للتنظيم في المحافظات.. وكما تنبأ ناصر.. لم يكن مصادفة أن معظم هؤلاء انضموا إلي أنور السادات في تحركه المضاد للثورة وكانوا عصب الردة بدلا من الدفاع عن الثورة.
أعلن عن قيام منظمة الشباب الاشتراكي يوم 21 يوليو عام 1966 بعد إعداد استمر 3 سنوات كاملة لأن اكتشاف الكوادر وإعدادها لا يتم بين يوم وليلة أو باختيارهم بقرار وإنما هي عملية تحتاج إلي وقت وجهد والالتحام بالجماهير هو المدخل الطبيعي للتعرف علي العناصر المؤهلة في مجالات العمل اليومي وفي مبادرات هذه العناصر كما أن تدريب الكوادر أحد المهام الرئيسية للتنظيم السياسي. قاد الإعداد للمنظمة مع زكريا محيي الدين نخبة مختارة وممتازة ضمت قيادات من كل التيارات الفكرية منهم د. حسين كامل بهاء الدين الذي كان أول أمين للمنظمة ود. إبراهيم سعد الدين ود. محمد الخفيف ود. أحمد كمال أبو المجد ود. يحيي الجمل ود. علي الدين هلال وآخرون. أعلن عن قيام المنظمة في قاعة الاحتفالات الكبري بجامعة القاهرة بعد أن توفر لها 30 ألف عضوية من الشباب والفتيات وقامت كتنظيم له مماثلون للمستويات القيادية في الاتحاد الاشتراكي العربي. وضم أول تشكيل للمنظمة بجانب د. حسين كامل بهاء الدين السادة الآتية أسماؤهم كأمناء مساعدين : د. عبد الأحد جمال الدين للعلاقات الخارجية، د. مفيد شهاب للتدريب، د. عادل عبد الفتاح للتنظيم، هاشم العشيري للعمل السياسي والأنشطة، عبد الغفار شكر للتثقيف وسمير حمزة.
إن درس منظمة الشباب يؤكد أن القيادات الشابة تملك طاقة هائلة ستبدد في مسارات جانبية خارج نطاق السيطرة ما لم تستثمر والقاعدة الأساسية في العمل السياسي والعام أن التنظيم السياسي يجب أن يوظف طاقات الكوادر إلي الحد الأقصي وألا يترك لديها فائض طاقة لأن هذا الفائض يمكن أن يوظف خارج مخططات التنظيم. وقد زودت المنظمة المجتمع المصري بجيل من القيادات الشابة بعث الحيوية في منظماته الجماهيرية وجدد حياته السياسية ووفر للبلاد نخبة قيادية جديدة. إذا كانت هذه التجربة يصعب تكرارها أو استعادتها بهيئتها السابقة إلا أنها قابلة للاستفادة منها ومن أهم دروسها المزج بين التكوين الفكري والتدريب القيادي والإدماج في حركة المجتمع من خلال النشاط السياسي والجماهيري. انتهي عمر المنظمة كتنظيم سياسي عام 1976 بعدما أعلن السادات عودة الأحزاب لكن كوادرها أعطت ومازالت تعطي وكانت نموذجا للقيادات الواعية ذات الرؤية