أنا مؤمن بأنه لا يوجد عمل أو شخص يجب أن تكون له حصانة ضد النقد لاننا لسنا ملائكة أو أنبياء، ولكننى مؤمن بذات القدر أيضا أن للنقد أولويات، أى يتعين أن نتوجه بنقدنا لما هو الأهم والأجدر بالنقد فعلا حتى يكون لنقدنا جدوى وفائدة. وأنا على يقين أيضا بأننا نستهلك قسطا من وقتنا وقدرا من جهدنا فى نقد أشياء وأمور وأعمال وأشخاص ونبدد هذا الوقت والجهد مما يضيع علينا فرصة نقد ما هو أولى وأهم وأجدر من الأمور والتصرفات والأشخاص الذى يمكن أن يسهم فى إصلاح عيوب حقيقية وتحسين اداء وزيادة الايجابيات والتقليل من السلبيات.
ولعل انشغال بعض وسائل الاعلام بما أسمته «السجادة الحمراء» التى ظهرت خلال افتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسى عددا من المشروعات فى مدينة السادس من أكتوبر يعد نموذجا على أهدار وقتنا فى الاهتمام بأمور فرعية والانشغال بها عن الاهتمام بالامور والقضايا و الموضوعات الرئيسية والأهم.. بل أنه نموذج صارخ على انقياد اعلامنا وراء بعض مواقع التواصل الاجتماعي.
إن هذه المواقع صارت للاسف الشديد هى التى تحدد الاجندة اليومية لبعض وسائل أعلامنا، وأخشى القول لمعظم هذه الوسائل.. لقد باتت هذه المواقع الالكترونية هى التى تقود وتوجه العديد من وسائل إعلامنا المقروء والمسموع والمشاهد.. وتلك فى حد ذاتها مشكلة كبيرة، لان هناك فى هذه المواقع الالكترونية ما يحمل أصحابها ومن يديرونها أهدافا خاصة تتجاوز نطاق الاعلام ، وتحديد أهداف ذات طبيعة سياسية يبغون من ورائها إعادة صياغة الاوضاع السياسية فى البلاد بما يلائم مصالح وأطماع قوى وشخصيات سياسية محددة.. ووسائل إعلامنا تسير وراء هذه المواقع بلا تبصر أو حتى دون أن تؤدى واجبها الاعلامي، والذى يقتضى منها تقصى الحقيقة و التدقيق فيما تنقله وتبثه على شاشاتها أو عبر ميكرفوناتها أو على صفحاتها. وفى ذات الوقت تنشغل وسائل إعلامنا هذه عن اداء واجبها الاساسى فى تنوير الرأى العام من خلال تقديم المعلومات السليمة والصحيحة له، وفى نقد الاخطاء الكبيرة والخطايا الضخمة.. أى أن وسائل إعلامنا هذه بدلا من تنوير الرأى العام تضلله، وبدلا من القيام بدورها الاساسى فى نقد ما يستحق من الاخطاء تشغل نفسها بتنفيذ أجندة معدة سلفا من قبل الذين يتحكمون ويديرون بعض مواقع التواصل الاجتماعي.
ألم يكن أجدى من أن تسير بعض أجهزة إعلامنا فى ركاب مواقع تواصل اجتماعى فيما سمى «بالسجادة الحمراء» فى افتتاح مشروعات جديدة بالحديث عن كيف تم تنفيذ هذه المشروعات وتدبير التمويل اللازم لها، وكم فرصة عمل حقيقية وفرتها؟، وكيف تتم الموازنة بين اختصار وقت التنفيذ وسلامة التنفيذ؟ وهل كل هذه المشروعات بدأ العمل فيها حقا أم أن هناك بينها مازال قيد الاعداد مثل حال المنطقة التكنولوجية فى أسيوط؟ وهل التنفيذ تم خلال العامين الماضيين أم أن بعضها منفذ من قبل منذ سنوات؟ وهكذا.. الاعلام الجاد الذى يريد أن يؤدى دورا ناقدا ومفيدا للرأى العام يسلك مسارا مختلفا غير السير منقادا كالأعمى وراء بعض مواقع التواصل الاجتماعي؟
إن هناك العديد من الامور والقضايا التى تستأهل أن يهتم بها الاعلام أهم بكثير من ملاحقة ما يتفوه به بعض الشخصيات والذى لا يحمل جديدا أو شيئا مفيدا، ولا يسهم إلا فى «تلميع» هذه الشخصيات، أو شغل الرأى العام بما هو تافة وسخيف وغير ضرورى وغير مهم، مثل الحديث عن الممارسات الجنسية قبل الزواج!
نحن لدينا موضوعات مهمة تستحق الاهتمام الاعلامى أهم وأجدى من حديث «السجادة الحمراء» مثل تفكير بعض الدول فى القيام بعمل عسكرى برى فى ليبيا وهو أمر بالقطع ستكون له أثاره علينا، ومثل إعلان المملكة العربية السعودية والامارات استعدادهما التدخل البرى عسكريا فى سوريا، وأيضا مثل مشاكل العيش المشترك التى تواجهنا هنا وهناك مجتمعيا والتى تتمخض عن مشروع إزمات وصدامات بين طوائف كتلك التى شهدناها فى مستشفى المطرية و مستشفى طنطا، وهى كلها مشاكل لن نتجاوزها إلا بالحرص على التطبيق الصارم للقانون ولكن قبله ومعه الاهتمام بنشر القيم الايجابية فى المجتمع والاقتناع بضرورة العيش المشترك، وكذلك مثل بطء جهودنا فى تصويب الخطاب الدينى أو بالأصح فى مواجهة التطرف الدينى الذى مازال يخلق لنا وحوشا آدمية تنطلق فى ربوع بلادنا تقتل وتخرب وتحرق وتدمر.
وإعلامنا لن يقوم بدوره المطلوب منه مجتمعيا إلا إذا التزم بالمعايير المهنية.. أو غلب هذه المعايير على كل أعماله.. ولذلك يجب أن نتخلص من ذلك التلكؤ الذى أضاع منا أكثر من عامين لم ننجز فيها تشكيل ما نص عليه الدستور من انشاء كل من المجلس الأعلى لتنظيم الاعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للاعلام.