استدير ثانية عن الماضي والمسرح فالحاضر يلح في العودة إليه.. وقبل أن ينتهي البرلمان المصري من مناقشة الموازنة المقدمة من الحكومة الحالية وبيانها.. وأيا كان ما أحاط بهذا البرلمان من ملاحظات فأمامه فرصة حقيقية إن اختار - لاكتساب ثقة الشعب المصري إذا .. ناقش هذه الموازنة بضمير وطني مع الانصات بصدق لمن يملك وعياً سياسياً - أو يكفيه لو جري ذلك علي ضوء الدستور وليس علي ضوء البرنامج الهائم الغائم للسيد رئيس الوزراء. وأقول للسادة النواب إن مصداقية البرلمان الآن علي المحك تبعا لموقفهم من مناقشة هذه الموازنة.. بل ربما المستقبل كله علي المحك فيما أعتقد.
-سبق أن كتبت عن الأمل.. وحاجة غالبية المصريين إلي الأمل في الغد.. كي تستمر الغالبية في تحملها المأساوي حتي نخرج من أزمتنا.. غير أن هذه الموازنة تعري أي زعم عن مراعاةالاغلبية، وتكشف غياب أي وعي سياسي لدي هذه الحكومة وبيانها رغم ما حدث من ثورة مدوية أعقبها تصحيح أكثر دوياً.. ومع ذلك نجد موازنة تعصف بأي أمل للغالبية ممن هم تحت خط الفقر ومن هم فوقه أو بقايا الطبقة المتوسطة التي تنحدر سريعاً لتلحق بهم في حالة من البؤس والفاقة غير مسبوقة وقد تقودنا إلي وصف الدولة الفاشلة - لاقدر الله - .. وأسأل نفسي بأي عقل وضعت تلك الموازنة؟!
- هل هي فوبيا الدولار الذي مضي بالحكومة إلي دعم قلة من المصريين والأجانب تحت وهم أن بيدهم مفاتيح ومغاليق هذه الفوبيا التي يقف وراءها هذه القلة من المصريين والأجانب الذين جندت هذه الموازنة لخدمتهم ودعمهم علي حساب الغالبية منا.. وحتي أصحاب معاشات الضمان الاجتماعي وتخفيض ميزانيتهم لحساب رفع ميزانية صندوق دعم الصادرات وفسحة مالية واسعة داعمة للمستثمرين. وكل ذلك دون أي حسابات أو ضمانات حقيقية لحل مشكلة الدولار.. وكل ذلك مع تجاهل لاعلان الشعب عن مطالبه في الحرية والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم!
- ونسأل: هل مطالب الشعب هذه توارت في ظلام النسيان؟ وإن نسي البعض فرددها تحت زعم مراعاة مصالح الأغلبية.. فإذا بالمثل الشعبي يداهمه علي لسان الناس «اسمع كلامك اصدقك.. اشوف أمورك استعجب»!.
لكن مع رفع برقع الحياء وجب الاعتذار للمثل الشعبي.. حيث يتم الإعلان الآن بشكل سافر عن تبني هذه الموازنة لدعم وتشجيع قلة من المصريين والأجانب علي جثث الجميع.. دون أي اعتبار لأي أولويات وهي قدس الاقداس لأي موازنة تخدم مصالح الأمة.. ولكن (أولويات إيه؟!! والكل في محراب الدولار ساجد)!!
- حقا.. أين نحن من ترتيب الضرورات - الناس تسأل - اين نحن يا حكومة إلا فيما توعدتمونا به من اجراءات عنيفة ومؤلمة.. قادمة علي الغلابة لا محالة.. ذلك هو ترتيبنا في أولويات الموازنة.. أن نكون في صدارة المنتظرين لدفع الفاتورة بمزيد من الفاقة والعوز أليس هذا يا سادة لعباً بالنار؟!.. فحين تفقد الغالبية الأمل في غد يحمل أملاً يبرر ما تتحمله.. فماذا ننتظر؟
- ندرك ونعيش ما تحدث عنه الرئيس من خراب جري.. وتجريف لطاقة وموارد هذا البلد..
فهل يعني ذلك يا حكومة أن مواجهة ما جري من خراب وتجريف لا يستقيم إلا بدمار يأتي علي الأخضر واليابس؟.. هل وضع المستثمر الأجنبي والتعلق بأهداب الدولار هو الضمان حقا لخروجنا من عنق الزجاجة؟
- ابسط القواعد عند العقل حتي في ميزانية أي رب عائلة - انه مهما كان حظه من الموارد وضعفها.. فعليه أن يضع أولويات إنفاقها.
- الأولويات في أي دولة تحكمها خطة تنمية تتحدد بموجبها هذه الأولويات.. والتنمية بمعناها الحقيقي المستدام أوسع بكثير من الاستثمار والمستثمرين والدخل الدولاري للمصدرين.. وإن كنا نعترف بأن ذلك جزء هام من التنمية.. اما اعتبار ذلك هو المحور الأهم.. فهو ضيق الافق المميت وفقدان البصيرة المهلك.. والذي يسد علينا الطرق والمنافذ..
- بحكم السن أنا مواطن ممن عاشوا وعايشوا في شبابهم خطط التنمية التي سارت عليها ثورة ٢٣ يوليو وحققت ما حققته.. من تقدم وتحرر وتنمية.. وكان سندها الأساسي ومصدر تماسك الدولة في وجه أي عقابات هو احتشاد الأغلبية خلف مشروع التغيير والتنمية والذي اعطي الأولوية للعدالة الاجتماعية.. حتي علي حساب الديمقراطية السياسية وإن كان عبد الناصر قد سعي بعد 67 إلي تخطي ذلك قبل رحيله المفاجئ.
- أنتم أيها السادة النواب أطال الله في أعماركم.. لتوفوا بما عاهدتم الشعب عليه - وأنار بصائركم وكف أيدي أشباح الماضي عنكم، والتي تضرب في عقول البعض وفي أحوال هذه الامة وبشراسة وفي رؤوس البعض حولكم - انتم قد تكونون فصل الخطاب فيما نحن فيه لو أردتم.. وأذكركم بما أحدثه رفضكم لقانون الخدمة المدنية من أثر لدي الشعب والذي دفع الحكومة لإعادة النظر في بعض بنوده الظالمة فما بالكم لو اضاء الله طريقكم نحو موقف وطني واع تجاه هذه الموازنة.. أظنه سيكون بمثابة تجديد لانتخاب هذا البرلمان ومنحه شرعية أعمق!.. حتي لو لم يتم سوي دفع هذه الحكومة لتعيد دراسة ما تقدمه علي ضوء الدستور الواضح وأهداف الثورة.. من أجل أمل حقيقي لدي الناس.. ورداً لوبالات اليأس عنا.
«وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً » صدق الله العظيم