نشرت هنا مرتين رسائل من بعض المحبوسين ظلما بسبب قانون المظاهرات أو بسبب قانون الحبس المفتوح. هذه الرسائل وصلتنى عن طريق أقاربهم أو أسرهم وصارت تصلنى الآن أكثر حتى أننى صرت فى حيرة من كثرتها وكثرة القصص الغريبة التى خلفها. زادت الحيرة مع ما جرى فى مصر فى الأسابيع السابقة فلقد اتسعت مساحة القبض على الشباب بسبب المظاهرات أيضا أو وقاية منها ، قبلها بيوم أو اثنين ، من على المقاهى والطرقات. صحيح أن الكثيرين أُفرج عنهم لكن لا يزال هناك من لم يتم الافراج عنه. وكان السبب فى ظاهرة القبض الكبيرة هذه هو ماجرى فى نقابة الصحفيين. وهو أمر كان يمكن ألا يحدث لو أن من ذهبوا للقبض على المطلوبين نفذوا القانون الذى يمنع القبض على أحد من داخل النقابة إلا فى حضورعضو من النيابة العامة وممثل للنقابة أو للنقيب. لم تكن مسألة صعبة ولو حدثت لتوفر علينا كثير من اللغط الذى جرى ويجرى. فى الوقت الذى قام فيه الإرهابيون بعملية تصفية حقيرة لأفراد من الشرطة فى حلوان فزاد المشهد ارتباكا وبدأ الكلام عن ضرورة التخلى عن أى مطالب أو أى كلام لمواجهة الإرهاب. ومواجهة الإرهاب قضية وطنية لا يختلف عليها أحد لكن لماذا يدفع ثمن الإرهاب آلاف غير إرهابيين ؟ سؤال لا إجابة عليه وأظنه مفتاح وضعنا المظلم أو الضبابى حتى لايقال أنى متشائم. كنت أريد أن أكتب عن ماهينور المصرى ولؤى قهوجى وهما أيقونتان من أيقونات الثورة بالإسكندرية يدفعان من عمرهما فى السجن فى قضايا حدثت وقائعها أيام حكم الاخوان أو بعده فى وقفة عند إعادة محاكمة قتلة خالد سعيد. ورغم العرائض الكثيرة التى كتبت فى مصر وخارجها تطالب بالإفراج عن ماهينور والتكريم العالمى لماهينور لم تحظ ماهينور بأى إفراج. لؤى قهوجى أيضا تحدث الكثيرون عنه هنا وفى الخارج فاسمه مرتبط باسم ماهينور وعلى نفس القضايا لكن لم يحظ أيضا بإفراج. ثم جاء القبض على مالك عدلى الذى يعرفه كل من اقترب منه مدافعا عن المعتقلين والمحبوسين فى المحاكم والنيابات وأقسام البوليس ليل نهار لايكل أبدا ووجهت إليه اتهامات كثيرة لم تظهر إلا بعد أن قال إن تيران وصنافير مصريتان بصوت عال وصل إلى الفضائيات التى لم يطلب الظهور فيها لكنها هى التى طلبته وكانت آخر مرة مع المحامى طارق العوضى فى مواجهة اثنين آخرين. لم يكن ماقاله متفردا فيه. كثيرون جدا قالوه لكن مالك صار من ضمن اتهاماته ترويج الشائعات أو الاكاذيب كان الأمر استقر من زمان أن تيران وصنافير سعوديتان. الوثائق التى قدمها مالك للرأى العام موجودة فى مكتبات مصر والعالم لم يكتبها مالك ولم يؤلفها ولو كانت خطأ فيمكن الرد عليه بالصح إذا وجد ! لكن هكذا جرت الأمور بطريقة مربكة لأى عقل لانها تشير إلى اتساع مساحة القبض على المعترضين الذين لا يملكون إلا أصواتهم. لا أعرف متى سنخرج من هذا النفق الذى يزداد طولا ، ووسط ذلك يجد الإرهاب طريقه بسهولة ليقتل أبرياء من الشرطة جنودا وضباطا كما يفعل فى كل وقت. إن أعداد الضباط والجنود التى كانت تحاصر نقابة الصحفيين تكفى الإرهاب فى كل الدنيا لكن للأسف الحرب على الكلام أكثر من الحرب على الإرهاب ! لن أخوض فى الحديث فى هذا الموضوع الا بجملة واحدة قديمة جدا لكن لا يتعظ منها أحد. لايمكن نهضة أى مجتمع أو دولة وسط قمع الحريات وعلى رأسها حرية الفكر والتعبير. وكل مافعله عبد الناصر فى الاقتصاد مثلا يعنى ، أضاعه السادات بجرة قلم بل وسلمه لأصحابه ومن بعده مبارك.