لم تكن النخب المصرية في عصور كثيرة عند حسن ظن الفرد العادي من ابناء المجتمع ولا كانت موازية لطموحه ونعني النخب الثقافية والعلمية والفنية والسياسية وبعض الدعاة الجدد.
ونستطيع القول أن السبب في ذلك يرجع إلي التباين في تطلعات النخب فلقد تباينت طموحات المثقفين عن السياسيين ثم تباينت تلك التطلعات عن طموح العامة من الناس وأحلامهم ، كان ضيق النظرة هو الغالب علي المشهد وعم الانشغال بالمغانم المالية والظهور الإعلامي مع ما صاحبه من الحرص علي الانتصار للفكر الشخصي الضيق ووصل الامر للتراشق اللفظي بل والاشتباك بالايدي مع غياب الرؤية لأولويات وسائل الاصلاح في كل مرحلة.
لقد ساد التعالي علي فهم الآخر بل وتجاهله وبدا ذلك متعمدا مما زاد الشقاق بين الناس والتشرنق حول النفس. وتفشت «النوستالجيا» والعيش علي القديم والتعلق به وتصادمت التوجهات بين ناصرية وغربية وشرقية.
سادت حالة من التوهان وانعدام الوزن ووصل ذلك إلي رجل الشارع البسيط وتهاوت الصور الذهنية والتاريخية للكثير من الاسماء بعد ما تجلت أطماع في السلطة مع تجاوزات في السلوك وكان من الطبيعي ان تعقد مقارنات في اللاوعي بين رموز وطنية قديمة وبعض مرتزقة العصر الحديث وتدني اسلوب الحوارات في «التوك شو» وعلي الشاشات ازدادت عبثية المشهد باختلاط الإعلان بالاعلام.. علي شكل فواصل من السباب ممزوجة بإعلانات الطعام وهابط الافلام. أين كان الناس من هذا كله؟.. ثم أين من كانوا يديرون عجلة الحياة؟ لكي لاتضعف مصر.. كانوا في بضعة مصانع تعمل في مقابل دعوات بالاضراب وتعطيل دولاب العمل وكان هناك مهندسون وأطباء وعمال قرروا الاستمرار في العطاء بالرغم من المعاناة وتزايد الصعوبات المعيشية اليومية.
في واقع الأمر تفشي التوتر والاكتئاب في الكثير من الناس حتي العاملين الجادين وتزامن ذلك مع تكشف واضح لعدم القدرة علي اتخاذ القرار وبطء الحركة من قبل مسئولين ربما احيانا من ضغط الشارع ورغبات متصاعدة في الوصول إلي التحسن في المعيشة وأمل الاستقرار. وتزامن مع استمرار حالة التوهان ايضا عدم الاكتراث العام بأثر ذلك علي البلاد «لا أحد يهتم». وهكذا اصبح جلياً عجز النخب السياسية والثقافية والفنية عن فهم الشعب ومعرفة آفاقه وطموحاته وفشلت في القدرة علي التنبؤ لمستقبل مصر والمصريين.
أما المأمول من النخب فان عليهم تجنب التكرار والمعاد من النصح غير الواعي بالتغيرات المجتمعية مع تجنب الاصوات الجهورية والجوفاء مع تجديد في اساليب الطرح وحسن اختيار اللفظ دون انجرار إلي اللفظ السوقي الهابط أو المحاكي للشبابي الباهت والقيام بدور القدوة الواعي لمسئولية اللحظة .
وأخيرا فإن علي النخب جميعا التمسك بالثوابت والقيم الراسخة لهذا المجتمع حيث التفريط في ذلك الأمر يزيد الامر تعقيدا وقلقاً عند العامة.
ثم الاهم في دور النخب هو الاتفاق علي أولويات العمل للصعود بمصر إلي مكانتها التي تليق بها وتتسق مع تاريخها الناصع، بالشكل الذي يفتح للشباب أبواب الامل في مستقبل أكثر اشراقاً.