صراع الإيجار القديم| الملاك: نعاني ظلماً شديداً.. وثروتنا العقارية لا نستفيد منها

الإيجارات القديمة.. أزمة مستمرة
الإيجارات القديمة.. أزمة مستمرة

- منسق جمعية المضارين: القانون الحالي إخلال بالعدالة ويساهم في زيادة انهيار العقارات

قنبلة ظلت موقوتة لسنوات طويلة.. قضية تؤرق الجميع منذ خمسينيات القرن الماضي.. لغم خطير لا احد يريد الاقتراب منه، قانون اعتبره البعض انه لا يحقق العدالة ويرسخ علاقة ابدية ظالمة، انه قانون الايجارات القديمة.. الذي حول ملاك العقارات إلي فقراء بينما أملاكهم التي تقدر بملايين الجنيهات يتم استغلالها والتصرف فيها امام أعينهم دون ان يستطيعوا فعل اي شيء »‬وكله بالقانون».. هذه القنبلة اوشكت علي الانفجار، منذ الإعلان عن المقترحات التي تقدم بها أكثر من نائب برلماني، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة من الطرفين لأسباب ودوافع مختلفة.. في محاولة من البرلمان لاعادة التوازن للعلاقة بين المالك والمستأجر من خلال مشروع قانون بصدد مناقشته واقراره لتحقيق العدل بين جميع الاطراف..
«‬الاخبار» تستعرض في هذا الملف رحلة قانون الايجارات القديمة طوال السنوات الماضية، وآراء الملاك المسلوبة حقوقهم –علي حد وصفهم- والمستأجرين المتخوفين من ان يكون مصيرهم الشارع بعد تطبيق القانون الجديد الذي يتم مناقشته في البرلمان..ومناقشة مقدمي المشروع في كيفية تحقيق العدالة لجميع الاطراف في القانون المقترح.

الملاك هم المتضرر الأكبر من قانون الإيجارات القديمة.. علاقة أبدية تربطهم بالمستأجرين، يريدون تحريها وانهاءها، ويتهمونهم بالاستيلاء علي أملاكهم والتمتع بها دون وجه حق -بحسب وصفهم- في الوقت الذي قد لا يجد فيه بعض الملاك وحدة سكنية للسكن فيها أو يعاني بعضهم من ظروف مادية صعبة علي الرغم من امتلاك الكثير منهم وحدات عقارية في أماكن راقية ومميزة ومع ذلك لا يتجاوز الإيجار الشهري لها بضعة جنيهات.. ما يضطرهم للإيجار بالقانون الجديد ببضعة آلاف شهريا، وذلك علي الرغم من امتلاكهم عقارات، مما خلق نوعا من الظلم وعدم العدالة الاجتماعية من وجهة نظرهم.
»‬الأخبار» قامت بجولة علي بعض العقارات الخاضعة لقانون الايجار القديم ورصدت معاناة الملاك بمختلف مناطق القاهرة الكبري.. بدأت جولة الاخبار من الحي الراقي بمنطقة الزمالك، حيث المباني التراثية والحضارية الجميلة، تتقابل امام بعضها البعض ومن داخل عمارة من هذه العمارات الضخمة والتي يوجد بها اكثر من 20 شقة كلها تخضع لقانون الايجار القديم، التقينا مع المالك محمد احمد الذي اكد ان هذا العقار والذي يصل عدد شققه إلي اكثر من 20 شقة وهذه الشقق تبلغ مساحة الشقة الواحدة 200متر تم تأجيرها منذ سنوات كثيرة وهي تطل علي النيل مباشرة وإيجارها 5 جنيهات واضاف ان العقار بالكامل مستأجر لمجموعة من اصحاب الشركات الذين يملكون اكثر من عقار بأرقي الأماكن ولكنهم يحتفظون بهذه الشقة وأضاف ان عددا كبيرا من السكان اغلق الشقق موضحا ان من اغلقوا هذه الشقق لديهم عمارات في اكتوبر.
قانون ظالم
انتقلنا بعدها إلي منطقة الجيزة وبالتحديد شارع المنيل فالعقارات القديمة تنتشر بطول وعرض الشارع وإيجارها لايزيد علي 10 جنيهات، وقفنا امام احدي هذه العقارات وتقابلنا مع صاحبها الحاج رمضان جابر الذي اكد انهم وقعوا ضحية للمستأجرين وقال »‬ حرام انا يبقي عندي العمارة دي ومش لاقي آكل »‬ وأوضح ان العمارة بها 10شقق جميعها ايجار قديم احصل علي 100 جنيه في الشهر ايجار هذه الشقق وقال: انا راجل علي المعاش ومعاشي مش مكفيني اعمل ايه مع المستأجرين الذين يمتلكون شققا اخري في مناطق اخري واكد ان قانون الايجار القديم ظالم لكل الملاك موضحا ان المستأجرين لديهم سيارات وعقارات اخري بملايين الجنيهات ولكن يحتفظون بهذه الوحدات مضيفا ان المستأجرين يقومون بالاتصال به وبزوجته من اجل إصلاح وصيانة الاسانسير الخاص بالعمارة..ويضيف محمد سند- علي المعاش– وأحد ملاك العقارات الخاضعة للايجار القديم، أعيش معاناة واشعر بمرارة الظلم كل يوم فأنا امتلك عقارا في المنيل يقدر بــ اكثر من 8 ملايين جنيه وأمتلك عقارا آخر في الجيزة يقدر بــ 5 ملايين جنيه ورغم كل هذا اسكن بالايجار مضيفا ان ما يزيد معاناتي ان أدفع لابني 2000 جنيه ايجارا لاحدي الشقق السكنية لانه متزوج.
أسعار زهيدة
انتقلنا بعدها إلي منطقة العباسية وتحديدا شارع سبيل الخنذار بميدان الجيش حيث تجد مبني ضخما مكونا من 9 اداور يحتوي علي 27 وحدة سكنية وثلاث محلات تجارية جميعها مؤجرة بقانون الايجارات القديم يوجد بها 5 وحدات سكنية مغلقة من مستأجريها حيث يبلغ ايجار الشقة في هذا العقار الذي يوجد في ارقي المناطق الحيوية بقلب العاصمة والمكونة من ثلاث غرف وصالة ومطبخ وحمام 5 جنيهات فقط لا غير أما الوحدة السكنية المكونة من أربع غرف وصالة ومطبخ وحمام يكون ايجارها الشهري 6 جنيهات وبين هذه الاسعار الزهيدة تجد ان ايجار المحلات التجارية يدعو إلي الضحك فالمحل الذي يوجد في شارع حيوي ايجاره الشهري جنيهان نعم جنيهين.. وعندما تصعد إلي العقار تجد اسانسير ومدخلا فخما والطريف في ذلك انه عندما يتعطل الاسانسير يطالبون الملاك باصلاحه.
سقطة دستورية
ومن منطقة العباسية إلي منطقة عابدين والتي تعد أرقي مناطق القاهرة وتحديدا في شارع الجمهورية، حيث يقع احد العقارات التي تخضع لقانون الايجار القديم والذي يبلغ مساحته 197 مترا والمبني تجاوز 178 عاما، المبني يحتوي علي 3 شقق سكنية ومحلين تجاريين سعر ايجار الشقة التي تبلغ مساحتها 197 متراً 5 جنيهات شهريا، وسعر ايجار المحلات التجارية 25 جنيها ومحل آخر 27 جنيها اي عقار مساحته 197 مترا ايجاره بالكامل في الشهر 65 جنيها فقط لا غير.
ويشير مدحت عبد الحميد –محام- صاحب العقار ان قانون الايجار القديم يعد سقطة دستورية لانه يخالف ما نص عليه الدستور المصري من حماية للملكية الخاصة حتي وان كان القانون مشهرا لانه يسمح بتوريث اقارب وابناء المستأجر لعقار أو شقة ملك لغيره‏،‏ واشار إلي انه ليس هناك مخرج قانوني للمالك للحصول علي شقته حتي وان قام برفع دعوي قضائية سيخسرها حتما لان المعضلة لن يحلها سوي تدخل الدولة التي وضعت القانون بحكم انه يخالف الشريعة الاسلامية‏.‏
واضاف إلي وجود طرق واساليب غير مشروعة وغير قانونية تحدث تحت مظلة قانون الايجار القديم منها بيع المستأجر للمكان المؤجر بيعا صوريا لشخص آخر دون علم من المالك مما يسهل له الحصول علي ملايين الجنيهات بحجة انه مستأجر بالشركة وهو ما يعد تحايلا علي القانون واضاف انه في النهاية قانون الاغتصاب القديم علي حد وصفه يكفل للمستأجر هذه الاساليب ولا يستطيع المالك اثبات ذلك مما يعد سرقة واستعمارا للحقوق تحت مسمي عقود قانون الإيجار القديم‏.‏
ثم انتقلنا إلي منطقة شبرا مصر وتحديدا في شارع جزيزة بدران، حيث يوجد عدد كبير من العقارات تخضع للقانون القديم، وهذه المنطقة هي منطقة تجارية يؤجر فيها المتر بالآلاف نظرا حيوية المنطقة، يقول احمد عبد السميع صاحب عقار انه ورث عن والده تم انشاؤه منذ اكثر من 70 عاما علي مساحة 300 متر، ومقسم علي شقتين مساحة كل منهما 120 مترا سوبر لوكس قيمته الايجارية في الشهر 5 جنيهات في حين ان الايجار في تلك المنطقة سكنيا يصل إلي 2000 جنيه، ورغم انني امتلك عقارا يساوي ملايين الجنيهات لا اجد شققا سكنية لابنائي ليتزوجوا فيها، مما جعلهم يقدمون في الاسكان الاجتماعي لكي يجدوا شقة يتزوجون فيها في حين انهم أصحاب املاك لعقار يتكون من 8 شقق.
تشريعات استثنائية
وفي نفس السياق يوضح عمرو حجازي، المنسق العام لجمعية المضارين من قانون الإيجار، أن مشكلة مالكي عقارات الإيجارات القديمة بدأت في الخمسينيات إبان نجاح ثوره الـ 23 من يوليو وسعي السلطة الحاكمة آنذاك اكتساب ود الغالبية الكاسحة من الشعب، فقامت باصدار تشريعات استثنائية حاكمة للثروة العقارية والزراعية الموجودة حينها حيث اصدرت قانون الاصلاح الزراعي لتنظيم العمل في الاراضي الزراعية ووزعت الملكية لتشمل السواد الأعظم من الفلاحين أما بالنسبة للثروة العقارية فقد اصدرات قوانين صارمة تحد من احقية المالك في ملكه وتحكم في ارادته حيث ألزمت المالك بعدم طرد الساكن وتثبيت القيمة الإيجارية ليستمر الوضع وتأتي الطامة الكبري في عهد الرئيس السادات واصدار مجلس الشعب قانون 49 لسنة 1977 و136 لسنة 1981، والذي إذ منع تعدد حيازة أكثر من عين في البلد الواحد، مؤكدا ان المستأجرين يعتمدون علي قوانين استثنائية تم إقرارها خلال فترة الخمسينات مع ثورة يوليو بهدف كسب مؤيدين ولكن للأسف الشديد مازال العمل بها حتي هذه اللحظة.
ويشير إلي أن هذه القوانين زادت من الظلم للملاك حيث إنها مدت العلاقة لتشمل التوريث حتي أقارب الدرجة الرابعة بالاضافة إلي انه في ذلك الوقت كان قد تم تشكيل لجنة يلجأ اليها المستأجر وظيفتها تخفيض القيمة الايجارية التي كان يتم الاتفاق عليها بين المالك والمستأجر واذا حدث غير ذلك او طلب المالك خلوا يتم مقاضاته وفق القانون الذي تم اضافته بعد ظهور ظاهرة الخلو، والكارثة ان قانون تجريم الخلو والذي ظهر نتاج تخفيض القيمة الايجارية ولجوء الملاك للخلو كتعويض شرعي يعوض ما يخسرونه من تخفيض أن القانون يظلم المالك حيث ان المستأجر يستطيع بشاهدين فقط قد يكونان مجهولي المصدر ان يحصل علي قيمة الخلو والذي قد يكون غير موجود بالاساس بالاضافة إلي ان المالك يدفع غرامة مبالغ فيها للدولة.. موضحا أن قانون الإيجار القديم لا أخلاقي، وأساء للعلاقة بين طرفيها ومعظمهم في المحاكم أمام بعضهم، وكسر ميزان العدل في نفس الإنسان، ولا يحقق استقراراً.
ظهور العشوائيات
ويشير إلي أن قانون الإيجار القديم هو السبب الرئيسي في ظهور العشوائيات، كما أنه تسبب في انهيار العقارات، والتي تركها ملاكها بدون صيانة، بسبب انخفاض القيم الإيجارية التي يحصلون عليها من المستأجرين، والتي لا تكفي لمتطلبات المعيشة ذاتها كي ينفقوا منها أيضاً علي صيانة عقاراتهم، كما انه من الأضرار التي تسبب فيها القانون أيضا قيام عدد كبير من ملاك العقارات القديمة ببيع عقاراتهم بأثمان بخسة، مما يعتبر ذلك إهداراً للثروة العقارية، لافتاً إلي أن العمل بهذا القانون استمر لمدة 6 عقود حتي عصرنا الحالي، وهو ما يستلزم تعديله أو إلغاءه بشكل كامل وصياغة قانون جديد للإيجارات يراعي فيه مصلحة الملاك والمستأجرين أيضا.
ويطالب نائب رئيس جمعية المضارين من قانون الإيجار بأن يتم حل هذه المشكله أو ان يتم تعميم حكم المحكمة الدستورية والذي تم اصداره في الـ 5 من مايو لعام 2018 بان تلتزم الجهات الحكوميه الاعتبارية والتي تحوز علي عقارات مؤجرة من الملاك بتقويم العلاقة واصلاحها والاهم انها في حيثياتها ان القوانين الحاكمة تتحكم في الارادة التعاقدية للمالك ليشمل العقارات المؤجرة للجمهور.
 

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي