عنف الشارع والأسرة.. يدق ناقوس الخطر

انتشار العنف في الشوارع
انتشار العنف في الشوارع

- مواطنون: التفكك الأُسري وتقديم المجرمين كقدوة في الدراما.. السبب 

 

- أساتذة الاجتماع: ضبط لغة الحوار الاعلامي والدرامي وتطبيق القانون بحسم

 

- قانونيون: تطبيق قانون الإرهاب علي جرائم البلطجة


 - الأمن العام: ١٣٠٪‏ زيادة في معدلات الجرائم.. و٩٢ ألف »مسجل خطر»‬


حوادث قتل بدون أسباب.. »‬خناقات» لا  تعرف لماذا اندلعت.. تحرش أصبح مشكلة تستعصي علي الحل.. عمليات انتقامية تبدأ من الاشتباك في الشارع وصولا إلي عمليات سحل وقتل في غياب القانون، حتي حولت تلك الممارسات الشارع إلي غابة يفترس  القوي فيها الضعيف.

ووفق آخر تقرير لقطاع مصلحة الأمن العام حول معدلات الجريمة في مصر لعام 2016 فإن معدلات الجرائم ارتفعت بحيث بلغت النسبة المئوية لجرائم القتل 130%، ومعدلات السرقة  بالإكراه  قفزت إلي 350٪،  ناهيك عن سرقة السيارات التي سجلت 500 %، ليصل عدد المسجلين خطر والبلطجية لدي وزارة الداخلية إلي 92 ألفاً و680 شخصا، وتسجل حوادث الجنح رقما خطيراً وهو٤٠٢٢٢ حادثة.

أرقام صادمة تحتاج إلي بحث  ونقاش متعمق لمعرفة أسبابها وسبل مواجهتها، »‬الأخبار» تلقي الضوء في السطور التالية علي انتشار هذه الجرائم الغريبة، وزيادة معدلاتها، وتسأل الخبراء والمختصين عن وسائل المواجهة والعلاج.

في البداية، يقول أحمد سلامة، مهندس إن انتشار العنف في الشارع في الآونة الأخيرة أصبح أمرا لافتا، ولم يعد مقصوراً علي الجرائم فقط كحوادث السرقة والقتل بل أصبح منتشرا في مختلف جوانب الحياة اليومية، فحتي عند الإمساك بلص بدلا من أن نقوم بتسليمه للشرطة  نقوم بسحله أولا كعقاب وربطه علي احد الأعمدة كما يظهر في الفيديوهات المنتشرة علي وسائل التواصل الاجتماعي، ثم بعد ذلك نفكر في تسليمه، ناهيك عن الخناقات والصوت العالي الذي أصبح اللغة الرسمية في التحاور بيننا.
 وأضاف أن تقلبات الحياة الصعبة ومشقتها من أعباء للأسرة والعمل، أصبح من أبرز أسباب انتشار العنف في الشارع وتفشيه.. كما ان هناك كارثة أخري وهي الدراما التلفزيونية المليئة بكافة صور العنف التي يتم تقديمها الآن  والتي أنهت عصر القدوة الصالحة وحولت معني الرجولة من الشهامة والإقدام علي الخير إلي البلطجة وفرض القوة ولنا في محمد رمضان وأعماله  المسماة بالفنية خير دليل حيث جعل من تاجر السلاح »‬فهلوي» والبلطجي قدوة!

 وأشار إلي أن التفكك  الأسري  يعد العامل الأكبر في انتشار العنف بين طبقات المجتمع لغياب دور الرقابة والتربية والتوعية بين أفراد الأسرة ولجوء البعض إلي »‬السوشيال ميديا» الكارثة التي ابتلي بها الشعب المصري ليستقي منه اخلاقه وتعاليمه مما يتسبب في غياب الأخلاق، والتي من أهمها احترام الكبير للصغير وغياب المؤسسات التي تعتمد علي تنمية المهارات كالكشافة ومراكز اكتشاف الموهوبين وارتفاع أسعار اشتراكات الملاعب.

وطالب سلامة  بأن يكون هناك حملة توعية بخطورة العنف الذي تفشي في شوارع مصر حتي لا تزداد خطورته ويصبح كارثة تستعصي علي الحلول وذلك عن طريق تصويب لغة الخطاب الإعلامي بالإضافة إنهاء عصر البلطجة في الأعمال الفنية وعودة الأنشطة الهادفة لغرس القيم كالكشافة.

 

 

الأسلحة البيضاء

»‬الله يرحم أيام زمان كنا بنحب بعض وبنعمل كل حاجه بنفس حتي المسلسلات والأفلام اللي كنا بنتفرج عليها زي  »‬الأيام» بتاع طه حسين بنتعلم منهم قيمة..  أما دلوقت بقينا مش بنشوف غير الإسفاف وعملنا جيل قدوته إبراهيم الأبيض والألماني وعبده موته وفاهم ان البلطجة هي الرجولة والجدعنة» بهذه الكلمات وبملامح حزينة بدأ حسانين علي (جزار) حديثه،  وأضاف: »‬قبل أن نتحدث عن العنف ولماذا تفشي في حياتنا  لابد أن نعرف أسبابه وما الذي حدث لطبيعة المصريين المسالمة الرافضة للعنف وتميل إلي السلام حتي في »‬الخناقات» والتي كانت ما أن تندلع وتشتعل حتي تجد العشرات   تسرع في إنهائها دون حدوث أي مشاكل أما الآن فأصبحنا نري المشاكل في كل لحظة في حياتنا وأصبح الصوت العالي دليلا علي القوة وأصبحت هذه الصراعات بكافة أنواع الأسلحة البيضاء.

 وأوضح أن ابرز أسباب تفشي العنف بين طبقات المجتمع غياب الترفيه والنشاطات المختلفة عن حياتنا واقتصار الحياة علي العمل والمشقة فقط وغياب القيم التي كانت موجودة في السابق وأيضا تعقيدات الحياة التي أصبحنا نصنعها بأنفسنا مع أبنائنا في كافة نواحي الحياة كما في الزواج وتعقيداته، بالإضافة إلي ضياع الحلم والطموح لدي ابنائنا ومعاملته بأسلوب غير صحيح.

وأشار إلي  انه قديما كانت الأسر تجتمع علي الأقل يوما في الأسبوع للحديث عن كل شيء في الحياة وكان هذا اليوم له مفعول السحر حيث يتم حل المشاكل بها والحديث عن الأخطاء وكيفية تصويبها، بالإضافة إلي الأفكار والحوافز التي نحصل عليها  مقابل الايجابيات  التي قمنا بها طوال الأسبوع وأيضا الضحكات والابتسامات التي كنا نتشاركها وتنسينا هموم الأسبوع بأكمله.

وكشف ان الوضع الآن تغير وأصبحنا لا نري أولادنا سوي دقائق لا تسمن ولا تغني من جوع وانشغلنا عن تنشئتهم تنشئة صحيحة ومناقشة مشاكلهم الحياتية وتوعيتهم بخطورة الطيش الذي انتشر في أوساط الشباب بل إننا صنعنا كارثتنا بأنفسنا هوأننا تركنا أبناءنا للشارع يعلمهم ويصوب أخطاءهم.

وتمني أن تعود طبيعة المصريين المسالمة كما في السابق وان تعود للحياة بساطتها وان نتغلب علي الحياة المادية التي أصبحت شغلنا الشاغل وأصبحنا لا نقوم بفعل شيء سوي البحث عن الأموال وكيف نستطيع تحصيلها وتناسينا قيمنا الجميلة والعادات والتقاليد التي كانت تميزنا ويتحاكي بها القاصي والداني.

 

 

حملات توعية

وأوضح سعيد رمضان، ترزي، أن سبب انتشار العنف في الشارع يرجع في جانب منه إلي عدم وجود أدوات مساعدة للترويح عن النفس وتفريغ الطاقة والغضب التي قد تنتج من مشقة الحياة بالإضافة إلي أنه حتي التلفزيون أصبحت لغته الرئيسية هي الصراع بجانب المسلسلات والأفلام والتي أصبحت لا تعرف سوي لغة الدماء في مشاهدها.. وتعظيمهم لدور النصاب والبلطجي.

وطالب بأن يتم وضع حلول لمشاكل الشباب ومساعدتهم حتي يستطيعوا التغلب علي مشاكلهم بجانب أن يكون هناك حملات توعية لإفهام الشباب بخطورة العنف وأن الحل يكمن في العمل والاجتهاد، واتباع الأساليب الجادة والمشروعة لتحقيق الأهداف.

الخطاب الديني

 وتقول د. هدي زكريا، أستاذ علم الاجتماع السياسي: »‬إن  من الخطورة أن نتعامل مع حالة العنف الموجودة في الشارع علي أنها ظاهرة والسبب في ذلك أن شخصية المصريين بطبيعتها مسالمة ولكن لا يمكن أن ننكر أن هناك ارتفاع في حدة العنف بين أوساط الشباب.

وأضافت  ان السبب في ارتفاع حدة العنف في هذه الفئة هو حالة الانفصال بين الأجيال وبعضها البعض التي سادت المجتمع المصري وعدم الاستفادة من تجارب الآخرين وهذا نتج عن التوترات التي لازمت الشباب الذي لم يعد يفكر قبل القيام بردة فعله.

وأوضحت ان لغة الحوار الإعلامي العنيف والذي أصبح مسرحا لكل مظاهر العنف وعدم الانضباط، حتي انك قد  أصبحت تري أن احد الضيوف يقوم بسب زميله أو ضربه أثناء البرامج دون أن يكون هناك وقفة ناهيك عن المسلسلات التي اتخذت من الصوت العالي والألفاظ النابية لغة لحوارها وسيناريوهاتها.. وأشارت الي ان غياب دور المدرسة وعدم وجود أنشطة في المدارس وتحول المدرسة إلي رسوب ونجاح فقط دون تنمية للمواهب والمهارات لتفريغ الطاقات المكبوتة لاعب رئيسي في تفشي العنف بين الأوساط الشبابية وأضف إلي ذلك ما يتم الان من تجريف السمات النبيلة من المنبع وعدم وجود أماكن مؤهلة للترفيه بشكل عام وهذا كله بالتأكيد سينتج عنه العنف.

وتري أستاذ علم الاجتماع السياسي أن الحل يكمن في أن تقوم كل مؤسسة بدورها بجدية وان تكون التربية جنبا إلي جنب مع التعليم والاهم من ذلك ان نهتم بالنشاطات الروحية وبالأخص الخطاب الديني الذي يجب أن يتم تنقيته من أساليب العنف كما يقوم بعض الأئمة الآن باستخدام لغة والوعيد فقط دون الترغيب. 

 

 

السلوك الإنساني

 ويوضح د. سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي، أن تزايد معدلات العنف  أمر متوقع لغياب الأمن المجتمعي وذلك بسبب التجريف الثقافي وانتهاج لغة الصوت العالي في الإعلام دون وعي أن لهذا تأثيرا علي طبيعة المتلقي ويتسبب في تفشي الكراهية والعنف.

وأضاف أن الإجراءات الاقتصادية الصعبة وزيادة معدلات الفقر سبب إضافي لتراكم داخلي لدي الكثيرين والذين أصبحوا في حالة انتظار دائم لتفريغ شحنة الغضب المخزن بداخلهم خاصة أن هذه الإجراءات لا يتواكب معها إجراءات للحماية المجتمعية خاصة مع يأس المواطنين من بطء في اجراءات التقاضي وغياب دور المؤسسات المسئولة عن تكوين ثقافة المواطنين.

وأشار إلي أن الحل يبدأ بإعادة هيكلة وإصلاح المؤسسات الـ  5 وهي المدرسة والبيت والإعلام والمؤسسات الدينية والقضائية المسئولة عن الارتقاء بالسلوك الإنساني وان يكون هناك إجراءات سريعة وناجزة في الثواب والعقاب حتي يشعر الآخرون بالأمان والرضا.

لغة  العنف 

ومن جانبه حذر اللواء محمد نور، مساعد وزير الداخلية الأسبق، من ان استمرار تزايد العنف بين فئات المجتمع المصري له تأثير سلبي وخطير علي المجتمع ككل وعلي الخطط التأمينية قد يستغلها البعض في بث سمومه للإيقاع بالدولة المصرية.

وأوضح أنه للأسف الشديد أن أخلاق المجتمع المصري يتم عن عمد تغييرها بطريقة غير مقصودة من خلال المسلسلات والأفلام التي أصبحت مسرحا دائما للدماء في كل مشاهدها.. كما  أنها تصدر  الفاسدين والبلطجية علي أنهم رموز وقدوة يجب الاقتداء بهم وهذا خطأ كبير يؤثر بالسلب علي جموع المصريين مستغلين غياب القدوة عن الشارع.  

وأشار الي أن بطء إجراءات التقاضي يعد سببا إضافيا لزيادة معدلات العنف نتيجة شعور الكثير بان القانون لن ينصفهم ويأتي بحقوقهم بسرعة نتيجة البطء الشديد في درجات التقاضي والذي يتسبب بيأس ولجوء البعض لأخذ حقه بيده وهذا له تأثير خطير علي دولة القانون التي نسعي لإرسائها.

 وطالب نور بسرعة تعديل قانون الإجراءات الجنائية بالإضافة إلي أن يقوم علماء النفس والعلوم الاجتماعية بإعداد دراسة وافية بأسباب انتشار العنف وإيجاد حلول لعلاج هذه المشكلة والأهم من ذلك أن يقوم الإعلام بدوره بتنقية لغة الحوار التي يستخدمها وان يقوم بتوجيه الرأي العام إلي ضرورة احترام القانون والعودة بأخلاقنا الي القيم التي تعودنا عليها.

 قانون الإرهاب

ويوضح د.  عصام البطاوي، استاذ القانون الجنائي، أنه يجب علي مجلس النواب سرعة تعديل بعض مواد قانون العقوبات الخاصة بجريمتي التعدي بالضرب والسحل وهتك العرض لكي تصل العقوبة ضد مرتكبيها للإعدام شنقًا.

  وأضاف أنه يجب علي النيابة العامة عند إحالتها للمتهمين مرتكبي تلك الجرائم لمحكمة الجنايات، أن تطالب في نهاية أمر الإحالة بتطبيق  مواد قانون الإرهاب عليهم. وأشار إلي أن تلك المواد الخاصة بقانون الارهاب نصت علي أن تكون العقوبة السجن إذا استخدم الجاني القوة أو العنف أوالتهديد أو الإرهاب، أو اتصف بصفة كاذبة، بدون وجه حق بزي موظفي الحكومة.

 وأكد ان تطبيق نصوص قانون الإرهاب علي هؤلاء المتهمين يعد السلاح الوحيد والحاسم لمعاقبتهم والقضاء علي تلك الظاهرة حتي لو كانت في مهدها كفكرة انتقام تدور برأس المتهم.

 الكثافة السكانية

ويؤكد د. احمد الجنزوري،  المحامي بالنقض والادارية العليا، أن العنف كأي ظاهرة اجرامية لما نبحث في أسبابه لابد ان نبحث في كل الجوانب المحيطة بالانسان الذي لجأ الي استخدام العنف.. سواء كانت جوانب اجتماعية او اقتصادية أو سياسية.. باعتبارها عوامل هامة مؤثرة في الانسان .

وأضاف ان العوامل الاكثر تأثيرا في ظاهرة العنف هي العوامل الاجتماعية والثقافية التي تتمثل فيما يقوم من اعمال درامية او سينمائية علي شاشة التلفزيون او السينما.. بخلاف شبكة الانترنت وموقع اليوتيوب وما يبث عليها من سموم فكرية تؤدي الي انتشار ظاهرة العنف في المجتمع..وضرب مثالا بالمسلسلا ت الدرامية التي عرضت في شهر رمضان السابق وما سبقه والتي قدمت العديد والكثير من مشاهد العنف والانتقام مثل مسلسل حبيشه والأسطورة اللذين أثرا سلبا وبشكل كبير علي المجتمع المصري وشبابه وخاصة المراهقين .

وأشار إلي ان سبب انتشار ظاهرة العنف وعدم اللجوء للقانون هوالكثافة السكانية..حيث ان المناطق الشعبية التي تتسم بالكثافة السكانية يغيب عنها التواجد الشرطي وبالتالي يلجأ بعض البلطجية واصحاب القوة الي فرض سيطرتهم ليصبحوا مثلما يقال كبير او عمدة المنطقة.. كما ان البطالة من العوامل المؤثرة في انتشار العنف.

 وأضاف ان بطء اجراءات التقاضي ليس له اي علاقة بظاهرة العنف او انتشاره والدليل علي ذلك ان الجميع اصبح يلاحظ سرعة التقاضي والفصل في المنازعات القضائية والاحصائيات الدالة علي ذلك والتي اعلنها وزير العدل الا اننا نجد ان ظاهرة العنف زادت انتشارا.. وان سرعة التقاضي زادت بنسبة 50% عن سرعة التقاضي خلال الاعوام السابقة.. حيث إن قضايا الضرب والقتل كانت تستغرق 6 شهور حتي تنظر امام المحكمة اما الآن  فعند احالة المتهم للمحكمة تعقد جلسة بعدها خلال ايام او اسابيع او شهر علي أقصي تقدير وذلك بالنسبة لقضايا الضرب او الجنح..اما في الجنايات فستغرق المدة الزمنية لعقد جلسة محاكمة المتهم ما يقرب من 4 الي 5 أشهر.