أول مصرى بمجلس الابتكار الرقمي الدولي

المهندس حسام الجمل: 25 ٪ من سكان الأرض بدون اتصالات

المهندس حسام الجمل
المهندس حسام الجمل

التاريخ يتراوح بين نهاية الثمانينيات والسنوات الأوائل من التسعينيات حينما بدأت الناس تجري اتصالاتها وتستقبلها في أي وقت ومن كل مكان، ظهر الهاتف المحمول دُرة إبداع العقل البشرى وفخر ابتكاراته، وارتاده الناس فى الدول المتقدمة بسهولة ثم تسلل إلى الشعوب الناشئة شيئا فشيئا والتهم عقولهم وجيوبهم، وصارت استثمارات ضخمة في البلدان وأقيمت المصانع وتسابقت العقول وعُرفت أبراج إرسال المحمول ودارت جدليات طويلة حول مأمونيتها ثم حُسم الموضوع وغزت الأبراج كل بلد ومنطقة وقرية ومدينة فى أنحاء العالم حتى نُصبت فوق أسطح الأبنية والغيطان من إفريقيا إلى أوروبا ومن الصين لأمريكا.

عزيزى القارئ هل فكرت كم وصل عدد أبراج المحمول التى بناها الفنيون على الكوكب! أم تراك بذلك تظن أن خدمات الاتصالات قد أتيحت لكل البشر!، المهندس حسام الجمل المصرى الأول الذى اختاره الاتحاد الدولى للاتصالات عضوا بمجلس تحالف الابتكار وريادة الأعمال للتنمية الرقمية يحكى عن اختياره ودوره ويجيب عن الأسئلة الغامضة فى كيفية توصيل البشرية بخدمات الاتصالات والانترنت.

 النموذج المصرى فريد.. والابتكار ضرورى لضمان تغطية الشعوب فى أسرع وقت 

 6.5 مليون برج محمول والمجلس هدفه إتاحة الاتصال للبشر 

 المهندس حسام الجمل حدثنا أكثر عن طبيعة هذا المجلس وماهيته؟
الفكرة ببساطة أن هذا المجلس يتبع الاتحاد الدولى للاتصالات ITU التابع لمنظمة الأمم المتحدة، فحين رأى الاتحاد الدولى للاتصالات فجوة كبيرة فى فرص إتاحة الاتصالات والإنترنت بين سكان أنحاء العالم، قرر تشكيل مجلس استشارى من كوادر عالمية من مختلف الجنسيات تكون أثرت فى هذا الملف فى بلدانها الأم وقدمت ابتكارا بشكل ما ساهم فى حل أزمة أو خلق قيمة مضافة، وهذا أول تشكيل لهذا المجلس فى تاريخ الاتحاد الدولى للاتصالات.

إتاحة الخدمات 

 ولماذا انتبه الاتحاد الدولى لهذه المسألة؟
هذه مهمة أصلية من مهام الاتحاد وهى مسألة تحقيق العدالة فى إتاحة الاتصالات والإنترنت وضمان التغطية للبشرية كلها لا لشعوب متقدمة فقط وبالطبع يهتم لضرورة إتاحة الخدمات للمستخدمين فى الدول النامية أيضًا باعتبارها حقا من حقوق الإنسان.
الأرقام أيضًا كانت مثيرة للانتباه فى هذا الشأن، مثلا.. دعنا نقول إن العالم بدأ الاتصال المحمول بشكل تجارى قبل نحو 35 عاما من الآن فى بداية التسعينيات من القرن الماضي، هل تعلم أنه وبعد هذه العقود لا يزال 25% من سكان الكوكب بلا قدرة على التواصل عبر الهاتف أو الإنترنت، وهذه نسبة اعتبرها الاتحاد الدولى للاتصالات كبيرة للغاية.

 إذن هذا المجلس معنى بالأساس بالدول النامية والمتأخرة؟
دعنى أتوقف هنا لأدقق أمرا مهما الواقع أنه من غير الصحيح أن البشر الذين لا يزالون بلا تغطية فى الدول المتأخرة فقط بل منهم أطياف كثيرة فى مناطق متعددة من الكرة الأرضية، فمثلا الناس فى سيبيريا لا يتمتعون بخدمات إنترنت أو اتصالات وأيضًا ألاسكا فى أقصى شمال الكوكب كما فى مناطق متفرقة من العالم، وهذا يقودنا إلى أن مشكلة عدم إتاحة خدمات الاتصالات ليست بسبب الفقر فقط وإنما تحكمها محددات أخرى كثيرة.

خدمة البشر 

 إذن تستطيع أن تلخص لى الهدف الأساسى لتأسيس هذا المجلس وتشكيله؟
هذا المجلس تم تشكيله لأول مرة ويضم 23 عضوا من مختلف دول العالم، واجتمع بالفعل فى مارس الماضى لتحديد المهمة الموكلة له بوضوح والتوصل لميثاق واضح وشفاف لطبيعة وطريقة وهدف المجلس، وتوصلنا إلى أن الهدف الأهم هو أن تسخر التكنولوجيا لخدمة البشر لا أن يقع البشر تحت طائلة التكنولوجيا. وتختلف جنسيات أعضاء المجلس وطبيعة البلدان أيضًا وذلك لتحقيق أكبر استفادة من جميع الخبرات، فمثلا بعض الدول كانت لديها مشكلة فى الدفع وتسعير الخدمات وأخرى عانت من أزمات الزيادة السكانية وبعضها مشكلته كانت فى حوكمة الخدمات ومنها ما تحول طبيعة ظروفه المناخية والجغرافية دون نشر خدمات الاتصالات فى جميع الأنحاء، فكل دولة منها لها طبيعة وتجربة مختلفة عن الأخرى وذلك من أدوات نجاح الفكرة.

 ولماذا إذن قرر الاتحاد الدولى للاتصالات اختيارك من مصر ضمن هذا المجلس؟
الواقع أن الاختيار جاء بسبب مشروعات نفذتها خلال فترة رئاستى للجهاز القومى لتنظيم الاتصالات فى مصر أهمها تطبيق MyNtra الذى اختير كأحد أفضل خمسة مشروعات على مستوى العالم فى مجال الحكومة الرقمية فيما اعتبرته رئيسة الاتحاد الدولى دورين بوجدان نوعًا من الابتكار، لا بسبب التطبيق نفسه لكن بسبب الفكرة وراءه وهو أن العميل نفسه أصبح من خلال التطبيق يملك أدوات الجهاز القومى على مشغلى خدمات الاتصالات، بمعنى أدق قدم شكلا من أشكال الحوكمة.
أيضًا نجاح فكرة الإفريقى المصرى للتدريب والاستشارات فى اجتذاب قادة قطاع الاتصالات فى إفريقيا لحل المشكلات المشتركة وتبادل الخبرات حول القضايا المثارة على الساحة القارية والدولية.

رأى الاتحاد الدولى للاتصالات أيضًا أن فكرة التنظيم التشاركى بين أجهزة تنظيم المرافق فى الدولة فكرة إبداعية فى هذا المجال، والموضوع أن الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات استحدث لقاءً تنظيميًا يجمع فيه جميع أجهزة تنظيم المرافق فى كل الخدمات مثل الكهرباء والمياه والبيئة وغيرها، وهذا جعل الاتحاد الدولى يرى أن مصر تفهم عقيدة العمل التشاركى والأجهزة التنظيمية، وكذلك استطاع هذا اللقاء أن يقلل الفاقد والهادر فى كل القطاعات.

إيجاد حلول سريعة

 وما الذى لفت نظر الاتحاد الدولى للاتصالات لهذه المسألة؟
ببساطة إذا علمت بأن عدد أبراج المحمول التى بُنيت خلال 35 سنة وصل عددها إلى 6.5 مليون برج على ظهر الكوكب فلماذا لم تنجح التكنولوجيا التى وصل إليها البشر حتى الآن فى إتاحة خدمات الاتصالات والإنترنت لجميع الناس فى كل الأرض!، إذن هناك سبب لابد من دراسته وإيجاد حلول سريعة لتدارك هذا الأمر، ثم إن تمتع البشر بخدمات الاتصالات ليس منحة من أحد هذا أحد حقوق الإنسان الأساسية، ذلك أنه يمكن من خلال الاتصال وحده وتحسين ودمج الناس فى الناتج المحلى الإجمالى للبلدان مما ينعكس بالطبع على الحالة الاقتصادية لها.

 وكيف يتحقق ذلك؟
أظن أن النجاح سيتحقق متى نجحنا فى العبور بالمستخدم غير المتصل إلى آخر متصل ثم يتم تحويله لمستخدم منتج ثم ينتقل هو بذاته إلى مرحلة الابتكار، يمكننا أن نتخذ المزارع فى الهند مثالا، فذلك الفلاح نصحه ابنه بأن يتابع حالة الطقس على الإنترنت لمعرفة ما المناسب للزراعة فى تلك الأجواء وكذلك علمه أن يطالع سعر السماد فاعتاد الفلاح ذلك واعتاد المسألة ثم بدأ فى تسعير سلعته على الإنترنت ثم دمج الدفع الإلكترونى لإنجاز مهمته ثم فتح مجالا للمزارعين لتسعير بضاعتهم على الإنترنت والمضاربة عليها مما خلق ما يشبه البورصة السلعية.
وهكذا يزيد دخل الفرد وتتحسن حالته وهكذا يتأثر الناتج المحلى الإجمالى للدولة.

تحقيق الهدف 

 أنت تتحدث عن تغطية عدد مهول من البشر يقترب من مليارى إنسان فى مناطق متفرقة فى أسرع وقت.. إلى أى مدى ترى قابلية ذلك للتحقق؟
الأصل فى الكيفية هو الابتكار، فبقدر حجم الابتكار فى الفكرة تستطيع أن تسابق الوقت، لكن فى رأيى أن سرعة تحقيق الهدف تعتمد على القدرة على دمج التكنولوجيا الحالية لتعمل مع بعضها لتقليل الفجوة، أما المناطق البعيدة والنائية من العالم فيمكن ربطها عن طريق الاتصال عبر الأقمار الصناعية وهذه هى أسرع طريقة تضمن الإسراع بالوقت لتوفير التغطية.

 من وجهة نظرك ما الفترة الزمنية الكافية للانتهاء من تغطية البشرية بخدمات الاتصال والإنترنت؟
لا تزال الإجابة عن هذا السؤال سابقة لأوانها لكن ظنى الشخصى أن المسألة يجب ألا تتجاوز 10 سنوات من الآن أى فى 2035، لكن على كل حال فإن الاجتماع القادم بالمجلس سيتم تقسيم الأعضاء إلى 5 مجموعات للعمل على موضوعات أساسية وهى دمج التكنولوجيا وتطويع التشريعات لخدمة البشر والتثقيف والتسعير ووضع خطة تنفيذية وجدول واضح للانتهاء منها، قُل إنه قبل نهاية العام ستكون الإجابة عن سؤالك واضحة تمامًا.

 إذا كان العالم سيتجه فى النهاية إلى التغطية عبر الأقمار الصناعية فكيف سيكون شكل مشغلى الاتصالات؟
مشغلو الاتصالات باقون كما هم بالضبط لكن سيتوسعون فى بناء الأقمار الصناعية، وربما تتشكل تحالفات كبرى بين مشغلى الاتصالات فى العالم تبدأ فى التشارك والاستثمار فى أقمار صناعية وإرسالها للفضاء وبث خدمات الاتصالات والإنترنت عبرها، فكما ترى الشركات الأمريكية الضخمة تسارع الآن فى بناء أقمارها الصناعية مثل فيسبوك وأمازون وسبيس اكس.

 وماذا ستصنع شركات التكنولوجيا؟
اعتقادى أن العشرية القادمة ستشهد خفوت أسماء ضخمة فى عالم صناعة معدات شبكات المحمول وتتأسس شركات جديدة بأسماء أخرى تستثمر فى البناء والاتصال عبر الأقمار الصناعية، ولا أقول إن هذه التكنولوجيا ستلغى التكنولوجيا القائمة بالفعل فلا تزال البشرية فى حاجة إلى دمج كل التكنولوجيا الحالية والقادمة معا لتحقيق أفضل نتيجة على الأرض.
فرص استثمارية 

 وكيف ترى دور الحكومات والدول فى ظل هذه المستجدات؟
الدول والحكومات يجب أن يتوقف دورها فى هذا الشأن على تهيئة مناخ الاستثمار فقط ومنح فرص استثمارية متكافئة فى مجال الأقمار الصناعية، حتى تضمن تسارعا من قبل المشغلين لتغطية أكبر مساحة وأكبر عدد ممكن من البشر.

 الاتحاد الدولى للاتصالات كيف يرى مصر؟
الاتحاد كما أشرت يتبع منظمة الأمم المتحدة والسيدة دورين بوجدان- مارتن هى الأمينة العامة الحالية للاتحاد الدولى للاتصالات وتم انتخابها فى مؤتمر المندوبين المفوضين للاتحاد الدولى للاتصالات لعام 2022 فى بوخارست، وكأول امرأة فى تاريخ الاتحاد الممتد 157 عامًا تصبح الأمين العام، ترى فى مصر تجربة فريدة جدا خاصة بعد تقدم ترتيب الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، 54 مركزًا بمؤشر أداء منظمى الاتصالات حول العالم لعام 2020، ليصبح فى المركز 41 بين 193 دولة مقارنة بالمركز 95 فى عام 2019، فيما اعتبره الاتحاد وثبة كبيرة فى معدلات الصعود.

 وهل توفير التغطية للبشرية مهمة الاتحاد؟
بالقطع هى إحدى مهامه الأصلية فهذا الاتحاد مقسم إلى ثلاثة قطاعات أساسية قطاع الراديو وهو المسئول عن تحديد الترددات وتنظيم الأقمار الصناعية ما يخص إشارات الاتصال، وقطاع التقييس وهو المنوط بتشريع وحوكمة ووضع ضوابط وصياغة وتأصيل مواصفات لكل تكنولوجيا، أما الشق الثالث والأخير فهم قطاع التنمية والذى يعنى بالأساس بتحسين حياة البشر عبر التكنولوجيا والتى يندرج تحتها هذا المجلس الجديد والمعنى بتحقيق الاتصال للبشر على كافة أنحاء الكوكب.

 أخيرًا.. هل يحجم الاتصال عبر الأقمار الصناعية مسألة التلوث البيئى الذى تفرضه المحطات الأرضية سواء بسبب السولار أو الكهرباء؟
سؤال جيد، ودعنى أقول لك إن الأمم المتحدة ذاتها لا تزال تناقش هذا الأمر ولم تقرر أى الاتحادات التابعة لها يتولى مسئولية هذا الملف البيئة أم الاتصالات، لكن فى كل الأحوال الاتحاد لديه كود واضح للمشغلين فى العالم بمواصفات التحول إلى التكنولوجيا الخضراء.