«قصر السكاكيني».. قصة «القط والفأر» أثناء حفر قناة السويس

قصر السكاكيني
قصر السكاكيني

تقوم وزارة السياحة والآثار ممثلة في المجلس الأعلى للآثار بمشروع لترميم وصيانة قصر حبيب باشا السكاكيني، بمنطقة ميدان السكاكيني بوسط القاهرة، وذلك ضمن بروتوكول التعاون بين وزارتي السياحة والآثار، والإسكان والمجتمعات العمرانية بتمويل جهاز أحياء القاهرة الفاطمية والإسلامية، وتحت إشراف إدارة القاهرة التاريخية وقطاع الآثار الإسلامية والقبطية.

يشمل المشروع كافة الدراسات التاريخية والأثرية السابقة فضلاً عن أعمال الترميم والتوثيق، وكذلك أعمال الترميم الدقيق والتي كشفت عن وجود العديد من الرسومات واللوحات الجدارية الفريدة مغطاة تحت طبقات من الدهانات الحديثة.

موقع القصر

يقع قصر السكاكيني في حي السكاكيني بوسط القاهرة، تم بناؤه عام 1897، لحبيب السكاكيني أحد أهم رجال الأعمال في عهد الخديوي إسماعيل.

يتميز القصر بتصميمه المعماري الفريد حيث بني على مساحة 2698م، ويضم أكثر من خمسين غرفة ويحتوي على أكثر من 400 نافذة وباب، وبه حوالي 300 تمثال، ومنهم تمثال نصفي لحبيب باشا السكاكيني بأعلى المدخل الرئيسي للقصر، والقصر له 6 بوابات لمداخله.

كما يتكون القصر من خمس طوابق، وتتميز واجهته بوجود مجموعة من التماثيل تمثل فتيات وأطفال وأسدين يتقدمان الواجهة وبجانب كون زخارف القصر اعتمدت على طراز الركوكو، جاء التصميم المعماري جامعاً بين الطراز إلايطالي واليوناني والروماني بالإضافة إلى بعض العناصر الزخرفية الإسلامية من محاريب، والقصر تعلوه قباب مخروطية ذات تصميم بيزنطي وتزين جدران القصر والأسقف لوحات زيتية خاصة في سقف حجرة الطعام، تمثل إحدى اللوحات بقاعة الطعام سيدة عارية بجوارها سيدة أخرى تحمل باقة ورود وبجوارها طفل صغير وحولها رسوم لملائكة مجنحة، وأمام مدخل القصر نافورة مصنوعة من الرخام بها زخارف لروؤس السباع وبجانبها تمثالان لأسد جالس من الرخام يخرج من فمه ماء.

فمن ينظر إلى قصر السكاكيني يعتقد أنه أمام أحد القلاع في إيطاليا نظرًا لأن مبنى القصر من الخارج مبني على الطراز الايطالي الزاخر بالزخارف الدقيقة التي زينت جدرانه وواجهاته، وحديقة القصر التى امتلأت بالتماثيل والأسود والشرائط الزخرفية التى تحكى أساطير إغريقية، وترجع لعصر الباروكو والركوكو، ويحيط بالقصر رصيف مرتفع نجح فى منع أي تعدي عليه كما أحيط الرصيف أيضا بأقماع المرور لمنع وقوف أو انتظار السيارات في منطقة حرم الأثر، وقصر السكاكيني من المواقع الهامة التي حظيت باهتمام كبير من المؤرخين لاسيما في العصرين المملوكي والعثماني، حيث كان الموقع قديما بركة من المياه تسمى ببركة الأمير قراجا التركماني ثم ردمها حبيب السكاكيني في سنة ١٨٩٢ بعد أن امتلكها بمرسى المزاد سنة ١٨٨٠، ثم شيد عليها قصره سنة ١٨٩٧ - ١٣١٥ هجرية وخطط الميدان على الوضع الحالي.

تاريخ «السكاكيني»

أنشئ هذا القصر اللبنانى حبيب جبرائيل أنطوان إلياس، وسمي بالسكاكيني نسبة إلى مهنة والده الذي كان يعمل بصناعة الأسلحة البيضاء، حضر والد جبرائيل من دمشق إلى مصر سنة ١٨٣٠ نظرًا لاضطهاد الأتراك للمسيحيين في سوريا، وفي سنة ١٨٤٠ م ولد حبيب في مصر وعمل بالمقاولات، واشترك بدور بارز في أعمال حفر قناة السويس، واستغل في هذه الفترة وجود المهندسين المعماريين والفنانين والفنيين الأوروبيين الذين اشتركوا في حفر القناة فقاموا ببناء القصر على طراز القصور الأوروبية في هذه الفترة، وتوفي حبيب السكاكيني باشا في ٤ يونيو سنة ١٩٢٣.

وكان حبيب السكاكيني، قد استغل قرارات صدرت فى القرن التاسع عشر بشأن تجميل القاهرة، وذلك بتجفيف البرك لمنع انتشار الأمراض فرسيت بركة الأمير قراجا التركماني على "السكاكيني" لتعميرها لتكون خالصة له، وهو أحد المغامرين من لبنان أتى أيام الخديوي إسماعيل، وكان يعمل مقاولا أثناء حفر قناة السويس، حيث كان الحفر يتساقط بفعل الفئران مما دعا السكاكيني لإرسال جملا محملا بالقطط إلى موقع الحفر لإنهاء المشكلة فبدأ يدخل التاريخ من هذا الباب.

وقام "حبيب" في العصر التاسع عشر بإدخال الطراز الإسلامي وبعدها الطراز الأوروبي في قصره واستجلب كل العناصر في الدور الأول نهضة أوروبية والثاني على الطراز العربي فجمع بين الطرازين، ووضع أعلى باب القصر تمثالاً نصفيًا له وسجل اسمه أعلى مدخل القصر "حبيب السكاكيني 1897".

والقصر أقامه المكتب الهندسي الاستشاري الإيطالي العالمي في روما واشترط على عائلة سكاكيني باشا ألا يتم أي تعديل أو إصلاح أو ترميم إلا بإشراف المكتب الهندسي الذي أنشأه أول مرة، وذلك لدقة كل جزء من أجزائه الخارجية والداخلية ولضمه تحفًا قيمة من زخارف وتماثيل ما يعجز عن تقليده لا إنشائه من جديد أعظم فنان يعيش في هذا العصر، والمبنى يسجل تاريخا حافلا بالعز واليسر.

التماثيل منتشرة في الخارج والداخل كلها من الرخام الإيطالي الفاخر، السلالم والأرضيات فيه بالرخام الملون المستورد من إيطاليا طبقا لرسوماته، كذلك الأرضيات بالباركيه الملون ملصوق على أشكال هندسية غاية في الروعة والجمال والجدران مغلفة بالخشب والبانوهات التى تتوسطها لوحات فينوس إلهة الجمال.

حالة القصر

عانى قصر السكاكيني من الإهمال منذ سنوات كثيرة فلم تجر أي تعديلات أو إصلاحات به منذ أن استعمل استعمالا جافا بمعرفة الإتحاد الاشتراكي الذي سكنه فترة من الزمن، ثم تم إخلائه واستخدمته وزارة الصحة في ١٩٦٢، حيث شغلت فقط الدور الأرضي والأول لعرض معروضات المتحف الصحي والدور الثاني لعرض معروضات متحف تاريخ الطب والصيدلة .

ظهرت شروخ طولية بالقصر مما جعل وزارة الصحة تلجأ لمصلحة الآثار آنذاك، فتم أولا تسجيله كأثر بقرار وزير الثقافة عام ١٩٨٦ وبالفعل حضر خبراء من هيئة الآثار، وعاينوا القصر وقرروا ترميمه تحت إشرافهم وقرروا مبدئيًا مبلغ مائة واثنين وخمسون ألف جنيها ترميمات معمارية ومائة وخمسون ألف جنيه للكهرباء، وثلاثون ألف جنيه لزراعة الحديقة.

مكونات القصر

عند الدخول إلى القصر من الباب الرئيسي تجد نفسك أمام أسانسير من أقدم الأسانسيرات الموجودة بمصر، ويتكون القصر من خمس طوابق وبدروم، ويحيط بأركان القصر أربعة أبراج يعلو كل برج قبة صغيرة والبدروم منخفض 6 درجات عن الأرض مكون من 3 قاعات متسعة، و 4 صالات ودورات مياه وغرفتين وكلها خالية من الزخارف.

يضم الطابق الأول الصالة الرئيسية والتي تبلغ مساحتها  ٦ × ١٠ متر تحتوي على 6 أبواب مؤدية إلى قاعات القصر منها المدخل الرئيسي الذي يبلغ ارتفاعه 5 متر، وهو من الخشب المصبع بالحديد المشغول الإيطالي والزجاج البلور وأرضية الصالة بالرخام القطع الكبيرة بلون أبيض وأسود أما السقف زاخر بالزخارف البيزنطية الرائعة .

 تؤدي الأبواب إلى القاعات من قاعة الاحتفالات الرسمية التي يتفرع منها قاعتين وأرضيات الكل بالباركيه الملون والممتد من القاعات محمولة على أعمدة على الطراز الأيوبي وتحوي القاعات الثلاث على حليات زخرفية بارزة بالسقف بأوراق الذهب الخالص، وكذا حوائط القاعة الرئيسية كلها زاخرة بالزخارف الملونة حتى الأعمدة عليها أحزمة من حليات بيزنطية، كما توجد غرفتين مستديرتين يوجد بكل منهما مرايا زاخرة بالحليات الملونة، وهي التي تأخذ شكل الأبراج من الخارج كما يوجد باب بالقاعة الرئيسية يؤدي إلى حجرة المدفأة ويوجد في صدر الحجرة دفاية مكسو حولها وأعلاها بالخشب الأويمة البديع الصنع وهي تحفة قائمة بذاتها. 

قاعة الطعام

وعلى محور المدخل الرئيسي يوجد باب يؤدي إلى قاعة الطعام وهي مستطيلة ملحق بها غرفة مستديرة ويوجد بحوائط حجرة الطعام بانوهات مرسومة بيد الرسامين الإيطاليين، وكذلك السقف مزخرف بالزخارف الزيتية ومحاطة بحليات مستديرة ويوجد بالحجرة المستديرة الملحقة نيش من الخشب لوضع الأواني والأطباق فيه وسقف هذه الغرفة مزخرف بالرسوم الزيتية.

أما قاعة الموسيقي مزينة بتماثيل تمثل كيوبيد الحب لثلاث أطفال مكفوفين يحملون الأدوات الموسيقية، وسهام الحب وفقا للأساطير الرومانية، أما قاعة المجد "الإحتفالات" فقد أضافها هنرى حبيب ابن السكاكينى سنة 1930.