تعرف على امبراطورية "جنكيز خان" في بلاد الصين

إمبراطورية "جنكيز خان"  فى بلاد الصين
إمبراطورية "جنكيز خان" فى بلاد الصين
"من سيد الجيوش ومحطم الأمم هولاكو خان، إذا سلمتم مصر ستنالون عطفنا وإذا رفضتم ستواجهون الموت كما واجهه كل من تحدى المغول".

من منا لا يتذكر هذا المشهد العظيم من فيلم " وإسلاماه" الذي جسد فيه النجم الكبير أحمد مظهر لدور السلطان سيف الدين قطز " قاهر التتار" في عهد حكم المماليك لمصر قبل 800 عام، عندما استقبل رسول التتار الذي أرسله هولاكو قائد الجيش المغولي حفيد مؤسس الإمبراطورية المغولية جنكيز خان.

وتلا عليه رسالة تحمل كلها تهديد ووعيد لإجباره على تسليم مصر وخضوعها لإمبراطورية المغول التي كانت من أكبر الإمبراطوريات اتساعا في ذلك الوقت، وكانت مصر دائما مقبرة للغزاة ونجح الجيش المصرى بقيادة المظفر قطز وشجاعة الظاهر بيبرز بمساعدة جنود من بلاد العرب والشام فى التصدى لهذا الجيش القوى، ليؤدى هذا النصر المحفور بماء من ذهب فى ذاكرة التاريخ لن ينسى إلى تقهقرهم إلى موطنهم الصين بعد موقعة عين جالوت بفلسطين عام 1260 ميلاديا، لقد تذكرت هذا المشهد من الفيلم ممزوجة بموجات فضولى عندما طرأت قدماى من الطائرة التى حطت بنا فى مطار"بايان نور" الصغير بمدينة "تيان جيتاى" بمقاطعة منغوليا الداخلية ذات الحكم الذاتى  الممتدة مساحاتها من شمال شرق إلى شمال غرب الصين والبالغ مساحاتها مليون و183 كيلو متر مربع وتعد من أكبر المقاطعات الصينية اتساعاً، كى اتعرف على هذا البلد وأهلها الذى لطالما قرأت فقط عنها فى كتب التاريخ.

لم اتعجب من حجم هذه المقاطعة الضخم عندما بحثت بذهنى فى صفحات التاريخ وكم كان امتداد الإمبراطورية المغولية فى ذلك الوقت من المحيط الهادى إلى بلاد فارس وروسيا ودول الخلافة الإسلامية التى أوقف امتدادها الشعب المصرى.

بداية الرحلة على بعد 120 كيلو تقريبا من المطار قطعناها "الصحفيين الأفارقة" ضمن برنامج (سى. ايه. بى .سى) حيث منطقة صحراء كوبوتشى حيث الترحيب الحار من قبل سكانها المتواضعين زى الكرم والجود، لا تتعجب عندما أقول انه وسط هذه الصحراء يقع فندق كبير ويرفق به قاعة للمؤتمرات أسسته الحكومة الصينية، وكان السؤال: لماذا كل هذا ولمن؟ ولكن  تنبهت سريعا من خلال معايشتى فى هذا البلد لحكمة الصينيين فى أن تصبح بلادهم اكبر اقتصاد فى العالم، أنهم الآن يتوجهون إلى الصحراء، والتى تشكل تقريبا أكثر من نصف مساحاتها، لقد قامت الحكومة الصينية بتأسيس شركة ضخمة لتعمير الصحراء ومكافحة التصحر وتشجيع كل الأفكار التنموية الخلاقة وتشجيع الاستثمار الخارجى لجذبه إليها، فضلا عن تنمية وتطوير القرى بالمنطقة، وقدمت لسكانها كل أنواع العون والخدمات والمرافق والرعاية بأنواعها المختلفة، وأزالت الفجوة والعزلة التى توجد بطبيعة الحال  بين سكان الصحراء والمدن فى أي دولة فى العالم وساعدتهم في نقل منتجاتهم إلى السوق، الأمر الذى أدى إلى نجاح الحكومة فى مكافحة الفقر وارتفاع مستوى الدخل، ليس هذا فحسب لقد استغلت الشركة الحكومة المعنية بتطوير الصحراء فى إنشاء أكبر محطة توليد كهرباء بالطاقة الشمسية فى الصين بل فى العالم مستغلة هذه المساحات الشاسعة وطبيعة الجو المشمسة أغلب شهور السنة، والحقيقة فى كل خطوة كنت أخطوها فى هذه الصحراء ملاحظاً فى عيون الصينيين مدى شعورهم بالفخر والإنجاز فيما يقومون به من تطوير وتعمير حتى فى الصحراء أشعر بغيرة شديدة فلم تذهب عن عقلى بلدى التى نعيش فيها سوى على 7 % فقط من مساحاتها وهجرنا صحاريها الكنز الواقع أمامنا ولا نراه.

توجهنا إلى مدينة "اوردوس" بمقاطعة كانجباتشى" وتبعد عنها حوالى 200 كيلومتر، حيث مسقط رأس عائلة جنكيز خان وموقع ضريحه الواقع فى منتصف المدينة ذات المساحة الكبيرة، هنا فى المدينة كل شيء يتحدث عن جنكيز خان وأبنائه وأحفاده وكل ما يتعلق بتاريخ الإمبراطورية المغولية التى يفخر ويعتز بها العرق المغولى حتى الآن، وتلاحظ ذلك بداية من ميدان جنكيز خان  مساحته لا تقل عن 20 ألف متر مربع، و4 تماثيل له ضخمة الحجم شاهقة الارتفاع وبجواره عدد من وزراء إمبراطوريته وآخرين يبدو من ملامحهم التي يرتدونها أنهم أشخاص عرب، أصوات الموسيقى والأغانى التى تنطلق من مكبرات الصوت المعلقة أعمدة منتشرة فى الشوارع والتى تنقل لأي أجنبي مدى اعتزاز هؤلاء الناس لأنفسهم، حتى اللغة المنغولية تلاحظها مكتوبة بجوار اللغة الصينية على أي لافتة أو لوحة معلقة بأي مبنى أو فندق حتى السيارات، كما يتميز هؤلاء القوم بالفروسية حيث يمثل الحصان لهم رمزاً تاريخيا وثقافيا يشير إلى القوة والتفاخر بتاريخ أجدادهم، فتجد تماثيل لها فى عدة ميادين حتى إنهم يستعينون بصورها فى الإعلانات التجارية، حتى فى ضريح الجد الأكبر لهم مؤسس الإمبراطورية المغولية جنكيز خان نجد أفراد من سلالة قبيلته كل دورهم هو حراسة وتأمين الضريح ويورثون هذا العمل منذ مئات السنيين، لا يسمحون بالزوار بالقيام بتصوير المقام من الداخل أو رفع الصوت، حيث يعتقدون إن مثل هذه التصرفات قد تسبب فى إزعاج روحه وتصرفها من مكانها.

تاريخ لا ينسى 

لا شك أن هذا الكبرياء والشعور بالقوة والاعتزاز بالنفس للمغول، فقد يأتي إلى جانب الفخر بتاريخهم الطويل، تكوين بنيانهم الجسمانى وملامحهم التى تميزهم عن باقى الصينيين، فهم قوم يتصفون بالقوة والضخامة والشعر الأحمر والأشقر وعيونهم الملونة التي تميل إلى الأخضر والأزرق، وكل هذه الصفات ممزوجة بخصال الطيبة والكرم وهدوء النفس، كما أنهم لا يخافون من الحديث عن أى موضوع حتى ولو كان هذا الموضوع يتعلق بأحد عجائب الدنيا السبع وهو سور الصين العظيم، ففي زيارة لمتحف المدينة وصف لنا مرشدنا مغولي الأصل بان هذا السور بناه الصينيون  فى عصر الإمبراطورية المغولية خوفا منا وكانوا على خطأ، فلو كان يرغب أجدادي من عبور هذا السور والوصول إلى قلب الصين لكان من أسهل الأمور.

الطبيعة الجغرافية والمناخية والمساحة الشاسعة لمقاطعة منغوليا الداخلية الصينية تجعلها تتميز بطبيعة جغرافية ومناخية متنوعة حتى العادات والتقاليد والأصول العرقية، فبعد أن تركنا الصحراء الشاسعة مرورا إلى المدينة التي يعبر منتصفها النهر الأصفر وهو من أشهر الأنهار فى الصين، كانت محطتنا الثالثة إلى منطقة لا أجد لها وصف سوى أنها جنة الله فى الأرض وتسمى "خويتنج شيل"، وهى منطقة تبلغ مساحتها تريليون و57 مليون متر مكعب مغطاة بالحشائش الطبيعية الخلابة، تملس فيها الحياة البدائية لقوم المغول ومهنتهم الأساسية وهى الرعى، حيث مراعى الجيل الخراف والأبقار والجمال التى تشكل مصدر دخل كبير للمقاطعة، ليس هذا فقط بل استغلت الحكومة هذه المساحات فى إنشاء اكبر محطة لتوليد الطاقة بالرياح فى الصين نتج ما يقرب من 380 مليون كيلووات.

وتعد المقاطعة موطناً لـ55 من مجموعات ذي أصول عرقية مختلفة من أصل 56 أصلا عرقيا فى جميع أنحاء الصين، ويبلغ سكانها 25 مليون نسمة، ويشكل فيها العرق المغولى 18% من إجمالى سكانها.

ما يثير الإعجاب فى هذه المقاطعة أن لكل مدينة أو منطقة بها ذات طبيعة وأسلوب خاص يختلف عن غيرها سواء فيما يتعلق بطريقة وأسلوب الحياة المعيشية أو نوع النشاط أو التى تشتهر فى إنتاجه وتسويقه سواء فى السوق الصيني او حتى السوق الخارجي، فعلى سبيل المثال تتميز مدينة "باوتو" والتى تبعد عن مدينة اوردوس مسقط رأس جنكيز خان بـ 150 كيلومترا بان بها شركة شمال منغوليا للشاحنات الثقيلة وهى الشركة الأولى فى الصين التى تنتج أضخم الشاحنات فى العالم حيث يصل وزن اكبر شاحنة انتجتها الشركة وفى العالم مايقرب من 350 طنا وهى تستخدم فى عمليات البحث عن كنوز الأرض والمناجم، فضلا عن صناعة الحديد والالومنيوم  واللحوم والصناعات الكيماوية، أنهم ينطلقون للأمام والتوسع بنفس خطى وطموح جدهم الأكبر جنكيز خان لتوسيع الإمبراطورية المغولية.

حجم التبادل التجاري

فى لقاء مع دو بن نائب المدير العام لمكتب الشئون الخارجية لمقاطعة منغوليا الداخلية المتمتعة بالحكم الذاتى، قال إن حجم التبادل التجارى بين مصر ومنغوليا العام الماضي بلغ 45,84 مليون دولار قيمة الصادرات الصينية لمصر بينما لا يوجد واردات مصرية للمقاطعة.

وأضاف: "نأمل فى الفترة القادمة بزيادة التبادل التجارى مع مصر، ونعلم جيدا أن مصر فاتحة أبوابها أمام الاستثمار الصينى، فهى تعتبر ثالث شريك للصين، كما تفتح الصين أبوابها للمستثمرين المصريين للاستثمار فى منغوليا الداخلية والتميع بالامتيازات التى تقدمها الحكومة الصينية لأي مستثمر أجنبي".